الشحاتي يكتب : علاقة الموازنة الحكومية بسعر الصرف وواجب البرلمان

450

كتب : محمد الشحاتي الخبير بمجال النفطي مقالا

ننتظر هذه الأيام الإعلان عن الموازنة الحكومية لسنة 2021 في ظل تغيرات عديدة، أهمها في اعتقادي هو العودة إلى الاعتماد الشرعي للإنفاق الحكومي بعد سلسلة غير منطقية وغير قانونية مما تم تسميته بـ “الترتيبات المالية المؤقتة”.

التغير الثاني هو تعديل سعر صرف الدينار الليبي بتخفيضه من 1.4 دينار/دولار إلى 4.48 دينار/دولار وهو تغير اقتصادي جسيم يحتاج إلى التعامل معه بحساسية وعناية شديدة، وهو ما سأحاول أن ألقي عليه بعض الضوء في هذا المقال.


في البداية أود أن ألفت انتباه القارئ الكريم غير المتخصص أن هناك فرق كبير بين الموازنة الحكومية والناتج المحلي الإجمالي، صحيح أن الاثنين يتم تقيمهما بمعدل سعر صرف واحد ألا أن طريقة حسبتهم ووظائفهم الاقتصادية متباينة.

الناتج المحلي الإجمالي هو مجموع كل السلع والخدمات التي يتم انتاجها داخل حدود الدولة، بينما الموازنة الحكومية هي توقعات الإيرادات من الأصول المملوكة للدولة إضافة إلى الجباية من الضرائب والجمارك في مقابل أوجه الانفاق الملزمة.


من ناحية نظرية فأن عائدات النفط ووفقا لقانون الملكية العامة للموارد الطبيعية يمكن اعتبارها من زاوية علم الاقتصاد ضرائب بمعدل 100% على أرباح النشاط النفطي.

من ناحية حسابات الناتج المحلي الإجمالي فأن الإنتاج النفطي بالكامل سواء ما يقع تحت بند المؤسسة أو الشريك الأجنبي يقيم من ضمن عناصر هذا الإنتاج، حصة الشريك الأجنبي الصافية بعد استقطاع الضريبة يمكن أن تقتطع من الناتج المحلي الإجمالي لأنها لا تدخل ضمن حصيلة المدفوعات بالعملة المحلية.


هذا يفرض على الحكومة الحالية التزامات مالية معينة بحكم القانون ووفقا للمنهج الاقتصادي الذي يتبعه النظام السياسي. الالتزام الأول هو تعويض المناطق المنتجة للنفط من ناحية مادية وبيئية، الالتزام الثاني هو تغطية تعويضات العاملين التابعين للنظام العام للدولة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.

ما يفيض عن هذين الالتزامين يمكن للحكومة أن تقوم بتخصيصهم لملتزمات التشغيل والتنمية مع الأخذ في الاعتبار الادخار للأجيال القادمة حيث إن الثروة النفطية هي ثروة ناضبة ولا يحق لجيل واحد الانتفاع بها.


بدون الدخول في النقاش حول السعر التوازني للدينار أمام الدولار يمكن القول وفقا للموازنات الحكومية السابقة إنها لم تتخط معدل 48 مليار دينار ليبي أي 34 مليار دولار بالسعر القديم للصرف وهو 1.4 دينار/دولار ما يعني وجود تقريبا عجز بمعدل 10 مليار دولار بافتراض انتاج قدره 1.2 مليون برميل يوميا وسعرا متوسطا للبرميل قدره 55 دولار.


واضح أن الطريق الوحيد للخروج من مثل هذا العجز إذا ما تم الإصرار على معدل الانفاق الحكومي عند هذا المعدل هو أما بتخفيض قيمة الدينار وهو حل ممكن محليا أو بزيادة سعر النفط وهو حل متروك للصدفة دوليا.


كثير يجادل بأنه من الممكن تخفيض الانفاق الحكومي والحد من الهدر ويقدمون وصفات عديدة منها إلغاء الدعم أو تحويله لدعم نقدي، تصفية القطاع العام كله أو جزء منه، رفع أسعار الخدمات التي تقدمها الحكومة مثل الكهرباء والمياه.

بالمقابل هناك الكثير من الآراء أيضا تنتقد هذه الحلول لأنها لن تستطيع الانفاق الحكومي ويشيرون إلى تكاليف الفساد الكبيرة والتي تقضم من الإيرادات العامة قبل أن يستطيع المواطن الانتفاع بها.

موضوع جدلي كبير وليس محل النقاش في هذا المقال. ولكن ما يمكننا التركيز عليه هنا أن تخفيض الانفاق الحكومي لا يبدو أنه سيكون خيارا مطروحا في المدى المنظور، مما عزز الاتجاه إلى تخفيض سعر صرف الدينار الليبي.


قام المصرف المركزي بخطوته في تخفيض سعر الدينار بعد ممانعة كبيرة والتفاف طويل تم فيه فرض إجراءات غير قانونية من السلطة التنفيذية بفرض دفع رسوم على تصريف الدينار الليبي.

الضريبة الجديدة أي كان شكلها ساهمت في تدفق نقدي كبير للدولة لاتزال شرعيتها موضع شك وأثارت نزاع ملكية بين السلطة التنفيذية والسلطة النقدية ويستمر أوجه انفاقها محل صراع أيضا.


اليوم سعر صرف الدينار هو 4.48 دينار/دولار
بدون أي اعتبارات غير العوامل الحسابية هذا يعني لموازنة سنة 2021 إيراد متوقع بمعدل 108 مليار دينار بمعدل انتاج 1.2 مليون برميل يوميا وسعر متوسط 55 دولار للبرميل، بينما كان هذا سينتج 34 مليار دينار بسعر صرف 1.4 دينار/دولار.
ما يحق للسلطة العامة نظريا بعد تخفيض سعر الصرف هو:


التوازن = قيمة فرق الايراد بين سعري الصرف (108-34=74) – العجز في آخر موازنة حكومية (14 مليار دينار بسعر الصرف القديم) = 60 مليار دينار
.


هذا سيترك 48 مليار دينار فائض في 2021 ينبغي تقسيمها نظريا بالتساوي بين مخصصات التنمية الضعيفة جدا في الموازنات السابقة ومخصصات الادخار للأجيال القادمة أي 24 مليار لكل بند، وهو ما لا يجب على البرلمان أن يوافق خارجه للحكومة ألا بسبب قوي جدا مثل مواجهة جائحة كوفيد أو التصدي لاحتلال خارجي.