الشحاتي يكتب مقالاً عن ملاحظاته على بيان الملخص العام للإنفاق الحكومي للعام المالي 2021م الصادر عن وزارة المالية

189

نشر المحلل والمهتم بالشأن الاقتصادي “محمد الشحاتي” تدوينةً تكلّم فيها عن ملاحظاته بخصوص الملخص العام للإنفاق الحكومي الذي نشرته وزارة المالية.

مبتدأً بقوله: “بعد الجلسة المنقولة تلفزيونياً التي تم تسميتها “المكاشفة” حول الانفاق الحكومي في سنة 2020، نشرت وزارة المالية في صفحتها على فيس بوك في يوم 6 يناير 2021 بيانا عن الملخص العام للإنفاق الحكومي للعام المالي 2021 م. يتوجب عني هنا الإشادة أولا بالجهد الذي وضعه خبراء الوزارة في إعداد هذا البيان وحقيقة فأن بيانات الوزارة تتميز دائما بالدقة والوضوح مقارنة ببيانات الأجهزة الحكومية الأخرى”.

وأضاف : البيان ثري بأرقام وبيانات متعددة وهو قاعدة بيانية ممتازة للبحث والتقصي والتحليل، وأود هنا أن أتقدم ببعض الملاحظات على هذا البيان من زاوية النقد البناء وهي:
أولاً: أودّ أن أشير كما لاحظت في عدة مقالات سابقة عن قِصَر وقت الإِعداد حيث أعتقد جازماً إن 6 أيام لا تكفي حقيقةً لإعداد بيان بمثل هذا الحجم، حيث تحتاج أكثر الدول تقدّماً ما لا يقل عن شهر للتوثيق المبدئي للإيرادات والانفاق الحكومي السنوية وتحتاج الدول النامية إلى ربع سنة تقريبا لإعداد مثل هذا التقرير؛ هذه التقارير في العادة تصدُر مبدئية ومِن ثَمّ يتم منح فترة محددة للتعديل عليها لإعادة نشرها من جديد، وهذا لا يحدث في مَثلِنا هُنا فلا وزارة المالية تُعدّل أرقامها ولا المصرف المركزي ولا المؤسسة الوطنية للنفط وهذا غير ممكن من ناحية نظرية وعملية حيث أنّ الكثير من الأرقام تعكس مدفوعات مبدئية وتحتاج للتسوية لاحقاً، وهنا تقودني هذه الملاحظة لأناقش ما هو الهدف من النشر أو المكاشفة المتسرعة من وجهة نظر وزارة المالية؟

أفترض هنا أن الهدف من “المكاشفة” هو التأكيد على أن وزارة المالية هو لم تقم بحجز أي إيرادات في خزائنها أو أرصدتها بالأحرى لأن الأموال مودعة في المصرف المركزي، وبهذا فهي تحاول أن تنفي عن نفسها وعن الحكومة شبهة التبذير أو الفساد أو الهدر وذلك بتأكيدها بأنها قامت بتحويل الأموال التي حصلت عليها للأجهزة المختصة في الأوقات المناسبة ما أمكن. وهذا بدوره يقود إلى تساؤل آخر هو هل نجحت الوزارة في هذا؟

في رأيي الخاص أنها نجحت في إلقاء البطاطس الساخنة لأجهزة الدولة الأخرى في مصب الأموال فقط، والتي تفترض خطأ أنها أوعية غير قابلة للتسريب، وبهذا فهي لم تنجح في نفي شبهة الهدر في التصرف بالأموال العامة سواء في أعلى المنبع أو في المصب، بالمقارنة فإن المصرف المركزي يهدف بوضوح لتبيان مجرى الأموال من بداية الحصول عليها مِن المؤسسة الوطنية للنفط لحين تسليمها إمّا لوزارة المالية بالدينار الليبي أو المتداولين بالعملة الصعبة، وهي مهمة لم ينجح فيها تكراراً نتيجة التنافس الحاد بينه وبين المؤسسة الوطنية للنفط من جهة وغموض عملية التصريف الأجنبي والاعتمادات من جهة أخرى.

ثانياً: بالنسبة للإيرادات هذه المرة تتفق الوزارة والمصرف المركزي في أرقامهما، ولكن تبقى أرقام المؤسسة الوطنية للنفط غير متاحة نظراً لعدم نشرها تقريرها الشهري عن المبيعات النفطية لشهري نوفمبر وديسمبر 2020، من المؤسف بالطبع ما كان يحدث خلال السنوات الماضية حين كان كل جهاز يصدر بيانه الشهري ومن ثم تكون الاختلافات وتبادل الاتهامات حولها. اليوم المصرف المركزي يثير قضية تأخر اتاوات وايرادات نفطية حدسيا على الورق وبدون توثيق، ولكن وزارة المالية لم تشير لها في حساباتها، خلال السنة الماضية توقف المركزي ووزارة المالية عن النشر الشهري بعد الأخطاء الفادحة والاختلافات اللا-منطقية بين بياناتهم، وهو أمر طالبتُ شخصياً به مِراراً نظراً لما يخلفه النشر الشهري من سلبيات على سمعة هذه الأجهزة.

ثالثاً: سأتجنب التعليق هنا عن المخصّصات التفصيلية للوزارات والأجهزة الحكومية وسأركز على قضايا عامة هي: الضرائب، الدعم، تأثير سعر الصرف على الموازنة.

رابعاً: دعوني أبدأ بتأثير سعر الصرف، تشير بيانات المصرف المركزي كما بيانات وزارة المالية إلى قرار 429 لسنة 2020 لمجلس الوزراء عن كيفية احتساب الميزانية بطريقة 1/12 بتعديلها وفقا لسعر الصرف الجديد. هذا القرار غير متاح على منصة رئاسة الوزراء، ولا على أي منصة لوزارة المالية أو مصرف ليبيا المركزي. أقدّر تماماً أن تكون بعض القرارات سرّية ومن ثم تُحجَب على الجمهور، ولكن مادام هذا القرار محجوب أو حتى ملخصه في كيفية احتساب أثر سعر الصرف على الميزانية فإنّ الشفافية غير متاحة وبهذا فأن أي عمل تحليلي سيُبنَى على افتراضات غير حقيقية.

خامساً: المُلاحظ بقوّة بعد سنة 2013 هو انخفاض التحصيل الضريبي في الموازنات الحكومية (كما هو مبين بالرسم المرفق للضرائب من سنة 1994-2021)، هذا شأنٌ يخص وزارة المالية وعليها أن تبين الأسباب لهذا الخفض الكبير، صحيح أن أحد الأسباب هو انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لفترات طويلة، ولكن هذا لا يبرر هذا التراجع الكبير خصوصا في سنة 2021 التي شهدت تعافيا اقتصاديا ممتازا ألا أن حصيلة الضريبة بقت في مستويات منخفضة.

سادساً: من ناحية الدعم فإنّ مصاريف الدعم للغرابة زادت في سنة 2021 عند تقييمها بالدولار عنما تم صرفه في سنة 2020 بالرغم من انخفاض الصرف على الكهرباء والنظافة والمياه والمحروقات مقومة بالدولار (كما هو موضح في الرسم). الزيادة في الدعم أتت من الزيادة في الانفاق على بندي علاوة الزوجة والأولاد وصندوق دعم الزواج، الأولويات هي شأن خاص للسلطة التنفيذية التي تقرر الأفضلية عند الصرف، ولكن هُنا سيثار سؤال في السنوات اللاحقة عن تدنّي الصرف على القطاعات الأربعة أعلاه بينما يزداد دعم المسائل الاجتماعية، الدعم من ناحية اقتصادية عادة يوجه إلى مصارف إنتاجية أو خدمية بينما تعالج المسائل الاجتماعية بالقروض المُيسّرة.


سابعاً: الرقم المخصّص لدعم المحروقات لا يتناسب مع الكميات المورّدَة من المحروقات، المُخصّص المُعلَن من وزارة المالية هو 9.9 مليار دينار بينما الكميّات المُستهلَكة في 2021 تصل قيمتها 17 مليار دينار؛ الرقم الثاني هو قيمة الاستهلاك الطبيعي التاريخي في ليبيا طبعاً بعد خصم كميات الإنتاج المحلي والمُسترّد من بيع المحروقات محلياً (17 مليار دينار بسعر الصرف الجديد والأسعار العالمية لبنزين السيارات، الديزل، زيت الوقود الثقيل، غاز الطهي). هذا أحد الفوازير غير قابلة للفهم وأرجو أن يتم توضيحها من السادة الخبراء في وزارة المالية.