الشحومي يكتب: الحوكمة المؤسسية بالمصارف

222

كتب: الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي

الحوكمة مصطلح حديث العهد نسبيًا في عالم الاقتصاد وإدارة الأعمال، فهو يتركز على مسألة ضبط وتنظيم العلاقات والاختصاصات بين أطراف المسؤلية بالشركة أو المؤسسة الاقتصادية، وبشكل أكثر تحديدًا هو إطار منظم يحدد الاختصاصات والمسؤليات ويعزز من شفافية عمل الأطراف المعنية بصناعة وتنفيذ القرارات داخل المؤسسة.

تبين قواعد الحوكمة بدقة دور ومهام مجلس الإدارة واللجان التي يجب أن يشكلها من بين أعضائه لمتابعة الأعمال الدورية وتقييم مستوي المخاطر التي تتعرض لها المؤسسة ومراجعة وتقييم نظام الرقابة والضبط الداخلي وفحص ومناقشة تقارير وأعمال المراجع الخارجي قبل إصدار تقريره الختامي عن عملية المراجعة.

بدون شك إن مجلس الإدارة موكل له أعماله باعتباره الوكيل أو الممثل للملاك والجمعية العمومية للشركة أو المؤسسة الاقتصادية والذي يجب أن تكون أعماله واجتماعاته وقرارته قائمة على أساس القيام بواجبات الوكالة المكلف بها بكل مهنة وفِي إطار من الحوكمة، وأيضاً تقوم أنظمة الحوكمة بوضع إطار تحدد بموجبه مهام ووجبات الإدارة التنفيذية وخصوصا المدير العام وفريقه الذي يشرف على أعماله وعلاقته مع مجلس الإدارة وسبل المشاركة الفاعلة في عملية اتخاذ القرار وتنفيذ سياسة مجلس الإدارة.

واقع الحال في ليبيا يشير إلى أن أنظمة الحوكمة ظهرت في النظام المصرفي منذ 2005 وصار إلزامي التطبيق اعتبارا من 2010، ولكن كل الدراسات التي تناولت مدى تطبيق الحوكمة بالمصارف الليبية تشير إلى انعدام التطبيق الجدي والصحيح وفي أحسن الأحوال تطبيق شكلي لا أكثر ولا أقل، زيادة على ذلك فإن دليل الحوكمة الصادر عن المصرف المركزي يعتبر ضعيف البناء ولم يتم إعداده بمهنية وربما أغلب أجزائه مقتبسة من نظم أخرى تختلف عن البيئة الليبية وقوانينها المنظمة، ولا يلبي متطلبات تعزيز الشفافية المصرفية كما أن المصرف المركزي المعني باستقلالية أعضاء مجلس الإدارة نجده يقوم بالموافقة على تعيينات موظفين يعملون بالمصرف المركزي كأعضاء بمجالس إدارات المصارف التي يشرف عليها و يراقب أعمالها وفي ذلك خرق جسيم لقواعد أقرها المركزي نفسه، ويغلب على دليل الحوكمة المصرفية التكرار والتعارض مع بعض القوانين السائدة كالقانون التجاري، كما لم يتطرق لمسائل هامة ورئيسية تعزز من كفائة وفعالية عمل الإدارة التنفيذية كتوضيح آليات عمل لجان الحوكمة أو تشير إلى المحاذير في العلاقة بين الأطراف المعنية بتطبيق نظام الحوكمة، وآليات العمل لكل لجنة من لجان الحوكمة والمدخلات اللازمة والمخرجات التي يجب عرضها على مجلس الإدارة وطريقة عرضها وآليات ودور مجلس الإدارة في مناقشتها واتخاذ القرارات حولها، ولم يتطرق أيضا لمهام وواجبات عضو مجلس الإدارة وتعزيز مشاركته في منظومة اتخاذ القرار والمتطلبات المهنية لشغل وظيفة عضو مجلس إدارة مصرف تجاري بليبيا.

الواقع أن نظام الحوكمة يحتاج إلى تطوير شامل لقواعدها وإعادة تصميم ترتكز على الرفع من قدرات أعضاء مجالس الإدارة والمدير العام والإدارة التنفيذية لفهم متطلبات التطبيق وسبل وإجراءات التطبيق والجوانب القانونية والمصرفية والمالية والإدارية الواجب الإحاطة بها، بالإضافة إلى ضرورة وجود آليات تضمن التطبيق ورقابة المصرف المركزي لضمان حسن التطبيق وبما يعزز من شفافية المصارف التجارية الليبية.

وقد تساهم عملية إعادة تنظيم نظام شامل للحوكمة المصرفية في إعادة ترتيب أوراق المصارف الليبية كخطوة مهمة على طريق تطوير النظام المصرفي الليبي واستعادة دوره الأساسي في الحياة الاقتصادية.