الشحومي يكتب: المشهد الاقتصادي المتحرك

229

كتب الخبير الاقتصادي ومؤسس سوق المال الليبي “سليمان الشحومي ” مقالاً بعنوان: المشهد الاقتصادي المتحرك.

يتشابه الوضع الحالي مع السير على رمال النفط المتحركة، يزداد كل يوم تعقيدا وصعوبة في ظل غياب إرادة واضحة تفرض حل شامل اقتصادي وليس ترتيبات أنتجت واقعا يغرق اقتصاد البلاد ويصعب عليها النهوض.

إذا أمعنا النظر في الأزمة الليبية الحالية ودون الخوض في التفاصيل، نجد أننا نكاد نتشابه مع الحالة اللبنانية في سرعة الاندفاع والانكشاف بسبب سيطرة الدولار على الاقتصاد سيطرة تامة، وانفصال الوضع النقدي عن الوضع الاقتصادي والذي أصبح مسيطرًا برغم هشاشته بفعل الانقسام السياسي، والذي قاد لانقسام إدارة البنك المركزي وما لحق به من تصرفات أضرت بسلامة النظام النقدي الليبي، فتوقف منظومة المقاصة عن البنوك التي وقعت تحت سيطرة البنك المركزي بالبيضاء، أدى إلى تناقص أرصدتها لدى البنك المركزي طرابلس مما يحد من قدرتها على مجابهة طلبات الحصول على الدولار الموجود فقط لدى المركزي طرابلس، و طبعا ذلك خطير ويهدد بحصر عمليات الصرف الأجنبي على بعض البنوك دون غيرها.

وعلي نفس المنوال استفحلت عمليات طباعة العملة من الطرفين ودون تنظيم أو توافق واستخدمها البنك المركزي البيضاء لتمويل عمليات الحكومة المؤقتة واستخدمها البنك المركزي طرابلس لمعالجة أزمة السيولة، وأخيرا ارتفاع مخاطر تقلص عمليات تصدير النفط أو توقفه وبالتالي تقلص الإيرادات للاقتصاد الليبي مما سينعكس فورا على سعر الدولار المحرك الأساسي للاقتصاد النقدي، صحيح أنه لا توجد عدالة في توزيع دخل النفط وهذه أكبر مشكلة وعمقتها إيقاف المقاصة بين الشرق والغرب وطباعة العملة المتفاقمة ولكن إيقاف تصدير النفط سوف تكون عواقبه أكثر سلبية علي المواطن وما سيرتبه من تدهور حقيقي في احتياطيات البنك المركزي فقدرته على الاستدامة محدودة بسبب عدم وجود مصادر أخرى للدولار كما سيحد من قدرة البنك المركزي على بيع الدولار في صوره المختلفة مما يزيد من تردي الأوضاع ويربك أكثر المشهد ويغرق الجميع في رمال النفط.

قد يكون الحل أو الحلول الاقتصادية معروفة لدى الجميع وقطعا تبدأ بإعادة البنك المركزي كمؤسسة تعمل وفقا للقانون بمجلس إدارة موحد وإرجاع المقاصة بين أرجاء البلاد والنظر في إصدارات العملة وإعادة تنظيم طباعتها وتداولها، طبعا ذلك باختصار الحل النقدي والذي سيتبعه إجراءات لإعادة هيكلة المؤسسة النقدية بشكل كامل وفقا لرؤية واستراتجيات واضحة.

أما المعالجة الاقتصادية الشاملة للاقتصاد الوطني الليبي فهي تتعدى مسألة إجراء تعديلات على السياسات الاقتصادية لتصل إلى هيكلة حقيقية تعيد بناء اقتصاد منوع ومنظم وشفاف وهذا حتما يحتاج إرادة وطنية ونظام مستقر وواضح المعالم.