الشحومي يكتب: جائحة الفساد ولقاح الحوكمة

332

الفساد في الدولة الليبية ومؤسساتها العامة والخاصة صار مضربا للمثل ومدعاة للسخرية عالميا ووسيلة لتحقيق نوع من العز والوجاهة الاجتماعية محليا، وصار الليبيون يعرفون الفاسدين والسارقين ويصفونهم تهكما بالمرموقين، فلا سلطان عليهم وهم يفعلون مايريدون ويفسدون كما يشاؤن، فالبلاد بالنسبة لهم تعيش أحسن أوقاتها منذ سنوات في عصر ذهبي للفساد منقطع النظير.

أموال حكومية تنفق يمينا وشمالا ولم تتحقق أي شي حقيقي على أرض الوطن أو للمواطن في تلبية حاجاته الأساسية واستمرت جيوبه فارغة على حساب توسع جيوب فئة محدودة استغلت الظروف وباعت الوهم للناس وقبضت الثمن.

ما يحدث من محاولات كشف الستار عن الفساد بانواعه عبر تحقيقات قضائية شملت وزراء ونواب وعمداء بلديات ومدراء شركات حكومية ليس إلا القدر اليسير والقليل مما عليه واقع الحال فالفساد صار نظاما له ثوابته الراسخة في الدولة الليبية.

الواقع أن مجابهة الفساد عبر حصر المخالفات على مستوي الوحدات الحكومية وإحالتها للتحقيق يحتاج إلى إطار قانوني وإداري منظم يعمل كطبقة عازلة شفافة تمنع الاختراقات وتحد من القدرة على التحكم المفرط في المال العام وإدارته دون قواعد محكمة أو محوكمة، فكما هو معروف أن العدالة تأتي دائما متاخرة وتأخذ وقت بعد وقوع جرائم الفساد المالي المنظم وقد يكون ذلك ثمنه إفلات الأطراف المستفيدة والدافعة للقيام بالفساد من العقاب.

الحرب الأهلية التي اسهمت في تعميق الفساد أكثر و أكثر وأبرزت اقطاعيين جدد وأصحاب ثروات زادت من حجم المعاناة التي يعيشها المواطن وخرقت جدار الصمت عندما طغى الفساد على السطح وفقدت الناس الكهرباء والمرتبات وانهارت منظومة القيم والعدالة الاجتماعية والاقتصادية ببلادنا.

قبل أن نذهب إلى القضاء وتقوم الجهات الرقابية بكشف المستور وتعلن عن أبواب الفساد المشرعة بليبيا لابد أن نعيد تقييم وترتيب آليات وبرامج الانفاق العام ونغلق كل أبواب الفساد ونفتح أبواب الشفافية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية للجميع.

قواعد حوكمة وشفافية تضعها الحكومة لكل من الوحدات العامة والمؤسسات الحكومية الأخرى تتضمن قواعد الإدارة والصلاحيات واتخاذ القرارات على مستوى مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية وتفعل عمل مجالس الإدارات على أسس مشاركة حقيقية في صناعة القرار بعيدا عن التدخل في العمل التنفيذي عبر لجان مجالس الإدارة المتخصصة في رسم السياسات مثل لجنة المخاطر ولجنة الاستثمار ولجنة المراجعة والرقابة المالية ولجنة المكافاءات والتعويضات وغيرها حسب طبيعة كل نشاط وتتضمن قواعد الحوكمة إجراءات وآليات الارتباط بالنفقات وسبل طرح العطاءات والمناقصات بشفافية وسبل الانفاق ونشر التقارير عنها بكل شفافية لتعزيز المساهمة والرقابة المجتمعية سواء على مستوى البلديات أو الوزارات أو الشركات الحكومية.

أول الخطوات لمواجهة جائحة الفساد الليبي هو تبني قواعد حوكمة مثل اللقاح لمواجهته وتضع إطار عام بالدولة الليبية يرتكز على قواعد للشفافية والمصداقية والوثوقية وتحمل معايير الانجاز على كل مستوى من المستويات الحكومية وتفصل بين الاختصاصات وتضع آليات للرقابة الداخلية والمجتمعية، وبعد ذلك كله يأتي دور المؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة والرقابة الادارية وأخيرا القضاء كرادع ومانع لممارسات الفساد.