الشريف لصدى: الإجراءات التي اتخذها المركزي لا ترتقي إلى إصلاحات اقتصادية وهيكل الميزانية لا يزال مختل

628

ضيفنا هذا الأسبوع هو أحد المسؤولين بوزارة المالية بالحكومة المؤقتة، وقبل ذلك أحد أهم خبراء الاقتصاد الذين يوضحون  ويبسطون عدة مفاهيم اقتصادية للمواطن، إنه الوكيل المساعد بوزارة المالية بالحكومة المؤقتة والخبير الإقتصادي ” أ. إدريس الشريف” .

التقيناه وحاورناه بخصوص الإجراءات الاقتصادية الأخيرة المتخذة وهذه حوصلة اللقاء :

س/مارأيك في الإصلاحات الاقتصادية المقترحة، وهل تعتبرون هذه الإصلاحات علاج حقيقي أم أنها مجرد مسكنات وليست علاجاً فعالاً ونهائياً لمشاكل الاقتصاد في ليبيا ؟

ج/ على أرض الواقع لم نر تطبيق أي (إصلاحات )بالمفهوم الاقتصادي للمصطلح، ما جرى تنفيذه هو جزء بسيط من حزمة جرى اقتراحها من خبراء تناولت عدة جوانب للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التى عاشتها البلد خلال الأربع سنوات الماضية والتي من أبرز مظاهرها انهيار قيمة الدينار الليبي نتيجة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وصاحب ذلك أزمة خانقة في السيولة لم تشهدها البلد في تاريخها الحديث، و باعتبار أن مشكلة ارتفاع الأسعار مرتبطة بسعر صرف العملة الأجنبية، فكما هو معلوم أن درجة انكشاف الاقتصاد الليبي على الخارج مرتفعة جداً حيث أن كل السلع تقريباً أما مستوردة  أو أن مستلزمات إنتاجها موردة من الخارج  وبالتالي فان سعر صرف العملة الاجنبية هو السعر الأساسي أو سعر الأسعار في الإقتصاد الليبي، ونظرًا لأن المصدر الوحيد للعملة الأجنبية هو إيرادات النفط , المتحكم فيها من المصرف المركزي, فإن نقص المعروض من هذه العملة نتيجة للقيود الكمية المشددة التي اتبعها المركزي خلال السنوات الاخيرة، هي ما أدى إلى تفاقم مشكلة التضخم في الاقتصاد، وأدى ذلك مع أسباب أخرى إدارية وأمنية إلى تفاقم أزمة السيولة في المصارف، وعلى هذا الأساس كان الجزء الاول والعاجل من الحزمة المقترحة هو معالجة مشكلة سعر الصرف وبشكل تدريجي, والقضاء على السوق السوداء في العمله الأجنبية, من هنا كان الاقتراح أن يقوم المصرف المركزي  بطرح كميات من العملة الأجنبية في السوق للأغراض المختلفة ( التجارية أو الشخصية،، إلخ ) بسعر خاص قريب من السعر الموازي في السوق السوداء , ثم يقوم بتخفيض هذا السعر تدريجياً لحين الوصول الى سعر مناسب يستطيع المصرف المركزي الدفاع عنه بتوفير الكميات المطلوبه للأغراض المختلفة من ناحية , ويؤدي إلى إنخفاض السعرالموازي بما يؤدي إلى إنخفاض أسعار السلع والخدمات من ناحية آخرى، وقد سمي ( بالسعر الخاص المعلن ) .

غير أن هناك مشكلة وهي أن اختصاص تعديل سعر الصرف ينعقد لمجلس ادارة المصرف المركزي دون غيره , وذلك وفقاً للمادة 31 من قانون المصارف , ولا يستطيع المحافظ اتخاذ هذا القرار منفرداً , لكن مجلس الإدارة منقسم , ومن هنا جاءت فكرة قيام المجلس الرئاسي  بفرض رسم على بيع العملة الأجنبية , بالرغم من أن هذا الإجراء مخالف للقانون  لعدة أسباب تم تناولها من قبل المختصين .

وبعد تردد كثير وضغوطات محلية وخارجية خصوصاً بعد الحرب التي شهدتها العاصمة خلال شهر اغسطس 2018م  ,تم توقيع اتفاق بين المركزي والرئاسي ومجلس الدولة يقوم بموجبه الرئاسي بإصدار قرار بفرض رسم نسبته 183‎% على بيع العملة الأجنبية للأغراض المختلفة , باستثناء منحة ارباب الأسر والتوريدات الحكومية  وقد بلغت حصيلة هذا الرسم خلال الأشهر الثلاثه الاخيرة من عام 2018م  13.2مليار دينار , حسب البيان الذي أصدره المصرف المركزي عن موارد واستخدامات العملة الاجنبية عن عام 2018 . و هناك إجراءات أخرى تم الاتفاق عليها لم يتم إتخاذها منها إستبدال الدعم  وخصوصاً على المحروقات، وصرف علاوة العائله للأبناء والمجمدة  من عدة سنوات. 

من هنا يمكن القول أن الإجراءات المتخذة لا ترقي إلى تسمية (إصلاحات إقتصادية ) وإن كان لها تاثير جزئي على الأسعار وعلى توفر جزئي للسيوله في بعض المدن الرئيسيه , وتقلص الفارق بين القيمه النقديه وقيمة الصكوك للدينار، فهيكل الميزانيه لايزال مختل .وتشكل النفقات الجاريه أكثر من 90‎% بينما لاتزيد حصة الانفاق الاستثماري التنموي عن 8‎% فقط، ولازالت الوحدات الإدارية الحكومية وأجهزة القطاع العام هي سوق العمل الوحيد تقريباً، حيث يعمل بها أكثر من مليون وثمانمائة ألف مستخدم , يتقاضون مرتباتهم من الخزانه العامه يمثلون أكثر من 87‎% من القوة العامله في الإقتصاد ,أو ما يعادل ربع السكان تقريباًوهذا المعدل يعتبر الأعلى في العالم.

س/ألا ترون أن منحة 500 دولار قد ساهمت إلى حد كبير في الحد من تأثيرات غلاء المعيشة ؟ وهل يؤثر هذا الاجراء سلباً على احتياطيات البنك المركزي؟

ج/ -لاشك أن القيمة المخصصة لأرباب الأسر  بمقدار 500 دولار للفرد ( وهي ليست منحة ) وإنما تباع لهم بسعر الصرف الرسمي، قد ساهمت إلى حد كبير في معالجة بعض المشاكل المالية لكثير من الأسر ذات الدخل المحدود او الثابت، ولكن الاسلوب الذي يتم به صرف هذه القيمة وهو عن طريق بطاقة الائتمان  ( فيزا أو غيرها ) قد أدى إلى فاقد كبير ذهب إلى جيوب الآخرين حيث استفادت من ذلك الشركات المصدرة للبطاقات ومصارف الدول التي تم فيها سحب قيمة البطاقات وتحويلها من عملة البلد إلى الدولار، هذا بالإضافة إلى تكاليف السفر والإقامة في الدول التي يتم فيها صرفالبطاقات , ناهيك عن بعض المشاكل الامنيه المرتبطه بنقل البطاقات وتحويلها، وقد تجاوزت هذه التكاليف 10‎% من قيمة البطاقة بدون تكاليف السفر والإقامة , هذا الحال ينطبق أيضاً على قيمة ال10 الآف دولار المخصصة للأغراض الشخصية بوجود الرسم، وقد تحجج المصرف المركزي بعدم إمكانية صرف الدولار نقداً لعدم إمكانية توريده لليبيا للظروف الامنية، إلا أن هذه الحجة غير مقنعه ..ثم إن لديه حل بديل حددته المادة 43 من قانون المصارف , التي تسمح للأفراد بفتح حسابات بالعملة الأجنبية في المصارف المحلية والتحويل منها للداخل والخارج، لكن المركزي حتى عندما سمح بفتح هذه الحسابات سمح بالتحويل منها لحسابات داخل نفس المصرف أ, ما التحويل للخارج فيكون لأقارب من الدرجة الاولى فقط، أي الأب او الابن  او الام فقط، ولم يسمح بالتحويل حتى للأخ او الأخت !!  وهذه قيود غريبة فما دمت قد فرضت رسماً فلماذا لا ترفع القيود ؟ المصارف في الخارج والداخل تنظمها قوانين وتخضع لرقابة تمكن من ضبط أي تحويلات مشبوهة أو عمليات مخالفه للقانون .

اما عن تأثير صرف مخصص أرباب الأسر على الإحتياطي فليس له أي تاثير على الإطلاق فحسب بيان أو تقرير المصرف المركزي فقد تم تحقيق فائض من العملة الأجنبية لعام 2018م  قدره 5.4 مليار  (خمسة مليارات واربعمائة مليون ) دولار , بعد تغطية كافة الأغراض التجاريه والشخصية والحكوميه وكذلك (منحة ) أرباب الأسر، هذا الفائض يضاف طبعاً للاحتياطي’ وحتى في سنة 2017 م -وهي أصعب السنوات التي مر بها الإقتصاد الليبي وشاهدنا المحافظ في نهايتها يقوم برفع الراية الحمراء  أمام الليبيين وكان البلد على شفير الإفلاس التام -تفاجأنا في نهاية العام وبعد شهر واحد  من ذلك اللقاء , أن ميزان مدفوعات البلد قد حقق فائضاً صافياً يزيد عن 2.5 مليار دولار وإن فائض الميزان السلعي التجاري يزيد عن 5 مليارات دولار، علماً بأن إحتياطيات البلد الإجمالية التي تحت تصرف وإدارة محافظ المصرف المركزي تزيد عن 80 مليار دولار !!

ولو عقدنا بعض المقارنات البسيطة مع دولة مثل تونس التي يقترب عدد سكانها من ضعف عدد سكان ليبيا ,وتعانى من ديون خارجية , سنجد أن احتياطياتها من العملات الاجنبيه قد إنخفضت  إلى حدود أربعة مليارات دولار ,أو مايكفي فقط لواردات 70 يوماً ,أي أقل من الثلاثة أشهر التي يعتبرها الاقتصاديون مستوي الخطر .

إحتياطيات تونس الإجمالية أقل من فائض سنة 2018م من العملة الأجنبية لدولة ليبيا   !! وبالرغم من هذا الفارق الهائل في الموارد والامكانيات,  بإمكان أي شخص أن يقارن بين الأوضاع في الدولتين وينطبق كذلك الحال على دولة الاْردن.

س/هل القيام بتوحيد مصرف ليبيا المركزي سيسرع من الإصلاحات الاقتصادية، أم أن الصديق الكبير يمكنه القيام وحده بتنفيذ الإصلاحات؟

ج3/ بالتأكيد إن توحيد إدارة مصرف ليبيا وقيام مجلس الإدارة بمهامه المنصوص عليها قانوناً سيعالج الكثير من المشاكل المتعلقة بالسياسة النقدية وسعر الصرف ومشاكل السيوله , أما عملية الإصلاح الإقتصادي الشامل فتحتاج إلى سلطة سياسية ومؤسسات تنفيذيه موحدة ,لديها رؤيه إستراتيجيه ,  تترجمها إلى خطط طويلة ومتوسطة المدى , بعد أن تقوم بعملية إصلاح شاملة للجهاز الإداري الذي هو أداة تنفيذ هذه الخطط والبرامج، حيث لايمكن تنفيذ خطط ناجحة بجهاز إداري مترهل وخرب , وبالتالي يمكننا القول أن تحقيق الإصلاح الفعلي والحقيقي الذي يمكن من الإستفادة من خيرات البلد وموارده يحتاج أولاً إلى تحقيق الآتي :- 

إصلاح سياسي ينتج قيادة سياسية تنفيذية وتشريعية كفؤة ولديها رؤية وتضع مصلحة البلد فوق كل إعتبار هذه القيادة تقوم أو تنتج حكومة تقوم بعملية إصلاح إداري للأجهزة التنفيذية، ثم يعقب ذلك عملية الإصلاح الإقتصادي الشامل وفق الخطط التي يقوم بإعدادها خبراء، .بدون هذا التسلسل (إصلاح سياسي  , إصلاح إداري ومؤسسي ، إصلاح إقتصادي شامل ) سنكون كمن يضع العربة امام الحصان ثم يطلب منه السير.

س/ ماهي الآثار  التي ستترتب على ليبيا جراء إقفال بعض الحقول والمنشات النفطية من حين لآخر وخاصةً على المدى البعيد؟

ج. بالتأكيد الآثار كارثية ,النفط هو المصدر الوحيد لدخل الدولة وهو المصدر الوحيد تقريباً لتمويل الميزانية العامة , ولتغطية الواردات , كل احتياجاتنا تستورد من الخارج، ليبيا دولة ريعية بإمتياز ,وبرغم مرور قرابة 60 عاماً من إنتاجنا للنفط لم نتمكن من الإستفادة من فوائضه لتنويع إقتصادنا , وخلق قاعدة إنتاجية بديلة ,بل ربما أدى تصديره وإستخدام إيراداته إلى القضاء على الهياكل الإنتاجية التي كانت قائمة على الزراعة أو بعض الصناعات التقليدية، وزادت ثقافة الإتكالية والاعتماد على الدوله , التي إستخدمت جزء يسير فقط للإنفاق على تنمية المجتمع وتعليمه وعلى البنية التحتية ’ لنجد أنفسنا بعد عدة عقود من شعارات التنمية أننا أقل البلدان النفطية تنوعاً في إقتصادنا، وأننا الآن أكثر إعتماداً على النفط مما كان عليه الحال في بداية إنتاجه. 

النفط مورد نابض، وأي ايرادات نفقدها حالياً قد لانتحصل عليها مستقبلاً، وبالتالي فإن أي إقفال للحقول سيلحق ضرراً بالغاً بالإقتصاد يصعب تداركه أو معالجته مستقبلاً.

س/ ما رأيكم في قرار رفع أسعار التذاكر في شركات الطيران الليبية ؟ وهل المبررات لذلك تبدو منطقية؟ وماانعكاس ذلك على المواطن خصوصاً؟ وهل سيؤدي ذلك إلى طفرة في إيرادات شركات الطيران؟

ج/النقل الجوي هو الوسيلة الوحيدة  الأكثر مناسبة وأمناً لربط مدن وسكّان دولة ليبيا المترامية الأطراف ,والتي تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة دولة فرنسا , في ظل تأكل وتهالك شبكة الطرق البرية,و إنعدام وسائل النقل العام والسكك الحديدية , المريض من سكان الكفرة  الذي يرغب في العلاج في طرابلس او بنغازي  مضطر الى إنتظار رحلة الطيران الاسبوعية أو نصف الأسبوعية للسفر للعلاج , وكذلك الحال في سبها وغات وغيرها من المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية، وفي ظل تدني مستوى الخدمات الصحية كثير من الليبيين مضطرين للعلاج في الخارج وخصوصاً في الدول المجاورة كتونس أو مصر, فعندما ترتفع أسعار التذاكر بهذا المستوى الجنوني ماذا يفعل كل هؤلاء ؟

رأيي الشخصي هو أن تتدخل الدوله  ولابأس من منح شركات الطيران العاملة حالياً إستثناء من الرسم المفروض على بيع العملة الأجنبية , بشرط أن تقوم وزارة الإقتصاد بتحديد تسعيرة جبرية تلتزم بها الشركات  , بعد دراسة تكاليفها ليس هناك ما يمنع من ذلك ’وهذا الإعفاء لايشمل الشركات العامة فقط كالليبيه أو الأفريقية، وإنما يسري على أي شركه خاصة ترغب في تقديم هذه الخدمه ’ شريطة قبولها وخضوعها للتسعير الجبري لخدماتها، النقل العام مدعوم في أغلب دول العالم ,بل أن هناك فئات من المجتمع معفاة أو تتحصل على الخدمة بأسعار مخفضة.