“الشنباشي” يكتب: قانون الجرائم الإلكترونية ومدى إمكانية الطعن فيه

502

كتب: المستشار القانوني د. زياد بلقاسم الشنباشي

يعبر الجريمة الإلكترونية أو السيبرانية عن السلوكيات الإجرامية الأكثر تطوراً والأخطر فيما تحققه من تهديد للحكومات والأفراد والمؤسسات، والتي يتم ارتكابها باستخدام شبكات الإنترنت كوسيلة للتعدي على ممتلكات الغير وابتزازهم وتهديد سمعتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

وعليه فصدور قانون لمكافحة هذا النوع من الجرائم صار أمراً ضرورياً في ظل هذا التطور التكنولوجي، فكان لزاما على الدولة الليبية أن تلحق بالركب الدولي بإصداره لقوانين تحمي المواطن من التعدي عليه وتهديده وابتزازه.

فبالرغم من احتواء هذا القانون على عدة نصوص من شأنها تحقيق حماية فعالة للأفراد والجماعات ضد الانتهاكات الرقمية، إلا انه في نصوص أخرى لم يكن على مستوى تطلعات الخبراء القانونيين والتقنيين، وذلك لما تحمله تلك النصوص من انتهاك للحريات كحرية التعبير، ولعدم التناسب بين ما تم النص عليه كجريمة والعقوبة المقررة لها، بالإضافة إلى تجاهل جرائم السب والتشهير والتهديد وبعض الجرائم الإلكترونية الأخرى، الامر الذي يدفعنا للتساؤل حول إمكانية الطعن في هذا القانون؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نوضح أن البرلمان هو أعلى سلطة بالدولة، بالتالي لا يمكن الطعن فيما يصدر عنه من تشريعات لمجرد عدم جدواها أو عدم فاعليتها، ويستثنى من ذلك ما يعرف بالطعن الدستوري الذي يتم بناء على مخالفة لنصوص الدستور ليقدم أمام الدائرة الدستورية المخولة بالنظر في تلك الطعون. وفي مساهمة قانونية متواضعة نستعرض بعض الطعون التي يمكن رفعها أمام الدائرة الدستورية والمتمثلة فيما يلي:

صدر القانون رقم 5 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية وقد رافق صدوره عدة عيوب شكلية وموضوعية تمس بعضها بشرعيته ويجعل منه عرضتا للطعن فيه أمام الدائرة الدستورية، ومن بين هذه العيوب ما يلي:

أولا: العيوب الشكلية

1/ صدر قانون الجرائم الالكترونية بتاريخ 05/10/2022 عن جهة شرعية مختصة بإصدار القوانين والمتمثلة في البرلمان، إلا انه وبالعودة إلى القانون رقم 4 لسنة 2014 المتعلق بالنظام الداخلي للبرلمان سنجد أن المادة السابعة منه تحدد النصاب اللازم توافره لانعقاد الجلسة البرلمانية، وجاء النص كالتالي (لا يكون انعقاد مجلس النواب صحيحاً إلا بحضور الأغلبية المطلقة للأعضاء لحظة بدء الجلسة، وتصدر القرارات بأغلبية أصوات الحاضرين إلا في الحالات التي يشترط فيها أغلبية موصوفة.)

كما جاءت المادة الأولى من ذات القانون في فقرتها الثامنة موضحة شكل تلك الأغلبية الموصوفة كالتالي (الأغلبية الموصوفة: الأغلبية المنصوص عليها بوثيقة لجنة فبراير الدستورية أو قانون النظام الداخلي.) وبالرجوع إلى المادة الخامسة من التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2012م الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في 13 مارس 2012 لتكون على النحو التالي: وتصدر التشريعات عن المؤتمر العام بأغلبية مائة وعشرين عضواً على الأقل في إصداره لهذه التشريعات.

2/ عدم التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة مما يشكل مخالفة صريحة للمادة 19 من اتفاق الصخيرات لسنة 2015

ثانيا/ العيوب الموضوعية

سأذكر هنا اهم تلك العيوب التي يحملها قانون الجرائم الإلكترونية المتمثلة في المساس بالحقوق والحريات الأمر الذي يشكل اعتداء صارخا على نصوص الباب الثاني من الإعلان الدستوري المتعلقة بالحقوق والحريات العامة.

النصوص المخالفة هي (المادة السادسة والتي تحمل تقييد غير منطقي ومبالغ فيه للحريات، المادة 34 تحمل معاني فضفاضة تقيد حرية التعبير وتجعل من أي تعبير على شكل اعتراض على فساد حكومي من قبيل الجرائم المعاقب عليها، المادة 35 تمثل انتهاك صارخ لحقوق الانسان خاصتا إذا ما أقرناه بمخالفة المادة السادسة من ذات القانون)

أما فيما يتعلق بالمادة 44 المتعلقة بجريمة غسل الأموال فلم يرد المشرع هنا السند القانوني الذي تم الاعتماد عليه عند ذكره لهذه المادة، علما بأنه يوجد بالخصوص قانونان متنازعان (القانون الأول صدر بتاريخ 2005 والثاني بتاريخ 2017 ويعاني القانونان من إشكالية متعلقة بشرعيتهما، فالأول تم إلغاءه بالقانون الجديد لعام 2017، والقانون الجديد أعتمد دوليا رغم عدم مصادقته من البرلمان) فعلى أي أساس استند المشرع في هذا النص؟

ختاماً، هناك العديد من الانتقادات التي يمكن توجيهها لهذا القانون، إلا أننا نكتفي فقط بالإشارة إلى النصوص التي قد تمس بشرعية هذا القانون وتمكن من الطعن فيه أمام الدائرة الدستورية بإذن الله، متمنياً بالأخذ بإرشادات المتخصصين من القانونيين والتقنيين بما يظهر هذا القانون في أفضل صورة.