خاص.. المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات يعلق على بيان المركزي

576

أصدر المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات تقريره،الذي تحصلت عليه صحيفة صدى الاقتصادية حول بيان الإيرادات والنفقات لمصرف ليبيا المركزي الذي يغطي الفترة الممتدة من 1 يناير 2023م إلى 31 مارس 2023م، الذي يستعرض أوجه الإيرادات والنفقات المختلفة وما يتعلق بها من إيضاحات تخص الإنفاق بالدولار، ورغم التفصيل في بعض البيانات إلا أن غموضا اعترى بيان المصرف المركزي وهو غموض صاحب تقاريره ولم يستدرك عليه رغم مطالبة أهل الاختصاص والمهتمين بالشأن الاقتصادي والمالي بمعالجتها.

وأضاف التقرير بأن الإيرادات كما وردت في البيان بلغ إيراد مبيعات النقط خلال الربع الأول من العام الجاري 143 مليار دينار، وذلك من إجمالي الإيرادات التي بلغت 26 مليار دينار أي ما يعادل 3 مليار دولار أمريكي تقريبا وفق سعر الصرف الحالي الذي هو في حدود 47 دينار للدولار، إذ لم تظهر المعلومات الإضافية الملحقة ببيان المصرف المركزي سبب تدني عوائد النفط الذي بلغ مستوى إنتاجه 12 مليون برميل في اليوم بسعر 80 دولارا للبرميل، ومع استقطاع الكميات المستهلكة محليا ومخصصات المؤسسة الوطنية للنفط التي تذهب للشركات العاملة في قطاع النقط الليبي فإن إيراد مبيعات النفط يمكن أن يتجاوز 5 مليار دولار أي ما يعادل 23 مليار دينار خلال الربع الأول من العام الجاري.

وكذلك الرقم الأكبر بين بنود الإيرادات هو بند إتاوات نفطية عن سنوات سابقة، وأثار هذا البند جدلا وكان محل تساؤل لدى عديد من المراقبين أولا من جهة أنه إيراد عن سنوات سابقة لم يكشف بيان المصرف المركزي عنها، وثانيا أنه تكرر خلال بيانات المركزي الليبي بفترات قريبة وبنفس القيم تقريبا، الأمر الذي ألقى بعض الغموض حول البند المشار إليه، ثالثا أنه صنف كإيراد ضمن إيرادات الدولة خلال الربع الأول من السنة، مع وجود بند إيرادات إتاوات تقطية تم تحصيلها خلال المدة، كما أن المصرف لم يصنفها كإيراد عن السنة في بيانه عن اثرادا وإنفاق الربع الأول من السنة الماضية، وأخذا بالقول الذي لا يعتبر بند أتاوات نفطية عن سنوات سابقة.

وأيضاً الربع الأول من العام فإن ذلك أن هذه الفترة سجلت عجزا يزيد عن 2 مليار دينار وليس فاضا بلغ 8 مليار دينار، كما تشير بيانات المصرف المركزي. يظهر جدول بيان الإيرادات عن الربع الأول للعامين 2022م و 2023م أن إيراد الإتاوات عن سنوات سابقة بلغ 114 مليار دينار، و103 مليار دينار على التوالي، وهذا يعني أن إيرادات الإتاوات عن سنوات سابقة (لم تحددها بيانات المصرف) بلغت 217 مليار دينار، وهو رقم كبير كان من المفترض أن يفصل المصرف المركزي عن طبيعته تفصيلاً يزيل الغموض.

إلى جانب إيرادات الضرائب البالغة 97 مليون دينار شهدت انخفاضاً كبيراً بالمقارنة مع بيانات العام الماضي البالغة 502 مليون دينار، ولم ترد إيضاحات بالخصوص عن سبب انخفاضها، وهي مسؤولية وزارة المالية بالحكومة التي ينتظر أن تصدر تقريراً عن أوجه الإيرادات والنفقات والتطور الذي يقع سلبا أو إيجابا في المقابل، شهدت رسوم الجمارك في الربع الأول من هذا العام زيادة بنحو الضعف عن السنة الماضية، ويؤخد على الضرائب والرسوم أنها ضعيفة جدا ولا تمثل إلا نسبة قليلة من الإيرادات العامة لا تتعدى في أحسن حالاتها %5%، وهو وضع يعكس الاختلال في الاقتصاد الليبي، ذلك أن الضرائب والرسوم تشكل عصب اقتصادات الدول حتى غير المتقدم منها. أيضا تظهر مساهمة بند المحروقات البنزين والسولار في الإيرادات محدودة جدا رغم أنهما يستهلكان بكميات كبيرة لاعتبارات عدة أهمها الاعتماد عليهما كليا في حركة المواصلات العامة والخاصة وفي تشغيل المحطات وغيرها. ويرجع ذلك إلى استمرار دعم المحروقات من قبل خزانة الدولة.

وأكد التقرير بأن النفقات العامة تكشف تقارير المصرف المركزي ووزارة المالية أن منحنى الإنفاق العام في صعود مستمر منذ عقود، إلا أنه شهد انعطافا حادا خلال العامين الماضيين، حيث سجلت فاتورة الإنفاق رقما غير مسبوق في تاريخ المالية العامة للدولة الليبية بين العامين 2021 و 2022م، وهما 89 مليار دينار، و 107 مليار دينار.

حيث من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق العام خلال العام الجاري 130 مليار دينار، والأسباب تعود إلى الزيادة المستمرة في بنود المرتبات والدعم والتنمية، كما ارتفعت مصروفات الباب الأول (المرتبات) خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة اقتربت من %30 عما كانت عليه خلال العام الماضي (انظر الجدول بالأسفل)، والأسباب تعود إلى تنفيذ قرارات الزيادة في مرتبات العاملين في بعض القطاعات الحكومية، وأيضا إلى سياسة توحيد المرتبات في الجهاز الحكومي، وبحسب مصادر مطلعة، أقرض المصرف المركزي الحكومة نحو 14 مليار دينار لسداد مرتبات الربع الأخير من السنة الماضية لتضاف إلى فاتورة المرتبات البالغة 47 مليار دينار مما يعني أن مصروفات الباب الأول نهاية العام قد تصل إلى 60 مليار دينار ليبي، وهي بحسب بعض التقديرات المتفائلة ستتجاوز 55 مليار دينار.

كما أن الإنفاق التسييري سجل ارتفاعا العام الجاري قياسا بالعام الماضي، وهو بحسب تقارير ديوان المحاسبة وبعض التقييمات غير الرسمية مبالغ فيه خاصة وأن جل المصالح الحكومية تشكي من انخفاض مخصصاتها من إنفاقات التسيير الحكومي، ويشكل سوء الإدارة أهم أسباب الهدر في النفقات الحكومية التسييرية وعدم تفعية ما ينفق منها. الباب الثالث (نفقات التنمية) بلغت 750 مليون دينار، وهذا البند يحتاج إلى تسليط ضوء وقدر أكبر من الإفصاح والشفافية من قبل الحكومة قبل المصرف المركزي، ذلك أن البيانات متضاربة وغامضة حول ما أنفق فعليا من مخصصات الإنفاق التنموي خلال العام 2202م، ولأن الحكومة رصدت مخصصات للتنمية تصل إلى 17 مليار دينار للعام الجاري 2023م، فإن ما تضمنه بيان المصرف المركزي للربع الأول من هذا العام يشكل نحو 4% مما خصصته الحكومة، ويقع جدل وخلاف بين المصرف والحكومة بخصوص نفقات التنمية ينتظر الحسم.

وكذلك مصروفات الباب الرابع (الدعم) بلغت 33 مليار دينار، حيث جاءت أقل مما كانت عليه العالم الماضي، ويشمل الدعم المحروقات والكهرباء والنظافة والإمداد الطبي، وهو بند لا يوجد إلا في بعض الاقتصادات النامية التي تحقق وفرة مالية في موازناتها، والاتجاه إلى إلغائها هو السائد حتى في الدول الغنية بالموارد الطبيعية ومجتمعها البشري صغير مثل دول الخليج، إلا أنه ظل عصيا على المعالجة في ليبيا.

وفي ختام التقرير يتفق خبراء الاقتصاد والمالية العامة أن الميزانية العامة وإدارة الإيرادات والنفقات في ليبيا تعاني مشاكل باتت مستعصية وتأبى المعالجة، إذ لم يقع تطور في وضع الميزانيات العامة ولم تصحح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والمالية العامة التي تنتج هذا الوضع المأزوم، حيث الاضطراب في الموارد المالية والفشل في تعظيمها مقابل ارتفاع مستمر في الإنفاق العام ارتفاعا يحول دون تحقيق فوائد كبيرة توجه لتطوير وتحسين البنية التحتية والقطاعات الخدمية الحيوية من تعليم وصحة ومرافق عامة وتطوير القطاعات الإنتاجية بهدف مضاعفة إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يزال يشكل قطاع البتروكيماويات أكثر من %70 منه.

مع التأكيد على أن بعض الغموض المتعلق ببيان الإيرادات والنفقات العامة لا يتحمل مسؤوليته المصرف المركزي، وتكشف تصريحات للمركزي عن عدم إفصاح جهاز الإمداد الطبي عن كيفية تصرفه في مبلغ 150 مليون دولار أحالها المصرف للجهاز خلال الربع الأول من العام الجاري، وليست هي المرة الأولى التي يخفق فيها الجهاز في تقديم بيانات عن أوجه صرف المبالغ المحالة إليها وأصناف الدواء التي وفرت كما ورد في ملاحظات عن تقارير سابقة للمصرف لكن ترد في بيانات المصرف المركزي معلومات تحتاج إلى إفصاح أكثر وشفافية أكبر، خاصة وأنها تتكرر لمرات عديدة وتواجه انتقادات.

وأيضاً من أهل الاختصاص والمهتمين بالاقتصاد الليبي دون أن يكون لملاحظاتهم صدى لدى المصرف المركزي المعالجة تحتاج إلى تركيز على بندي الميزانية معا الإيرادات والمصروفات من خلال زيادة الأول عبر زيادة إنتاج النفط والغاز ثم توجيه جزء من عوائدها لصالح القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تدر عائدا مجزيا، على أن يواكب ذلك تصحيح لبند النفقات من خلال إجراءات تعالج الاختلال الهيكلي في الاقتصاد.

وكذلك مصروفات الباب الأول (المرتبات) تمثل أكثر من 60% من إجمالي الإنفاق العام، وهي نسبة لا تتكرر في الاقتصادات الأخرى إلا في عدد محدود جدا، وتعكس مدى الخلل في هيكل الاقتصاد وطبيعته،كما أن النسبة مرشحة للزيادة، ذلك أن القطاع العام هو الملجأ لكل الباحثين عن عمل خاصة وأن الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة العامة والخاصة، تقذف بعشرات الألوف كل عام من الباحثين عن عمل، يستوعب القطاع الخاص نسبة قليلة جدا منهم وبطرق جميعهم أبواب الوظيفة العامة.