بريون: مقال تحليلي عن النشرة الاقتصادية لمركزي طرابلس

858

كتب الخبير الاقتصادي “نوري بريون”

في منتدى مناقشة النشرة الاقتصادية  لمصرف ليبيا المركزي الربع الأول  2019   ( القاعدة النقدية في البلاد مقسمة بين: نقود تحت الطلب موجودة لدى المصارف التجارية وهي ودائع المواطنين وآلمؤسسات والحكومة وبين ما هو في الشارع، والبالغ 35 مليار ومجموع تلك القاعدة 107 مليار). والصحيح المتفق عليه بين علماء الاقتصاد في العالم هو : القاعدة النقدية الرشيدة ( ق ن ش) وسميت رشيدة لأنها الأكثر دقة ، تساوي ( 1 ) الاحتياطي الإلزامي لودائع الوحدات الاقتصادية لدى المصارف التجارية ( غير المصارف التجارية وغير الجهات الحكومية )( ح ز وم ت ) ، علما بأن مجموع ودائع الوحدات الاقتصادية تتضمن ( الودائع تحت الطلب ، الودائع لأجل ، وودائع الادخار ) وتتحدد نسبة  الاحتياطي الإلزامي وفق القانون رقم 1 لسنة 2005 ( أي بنسبة 20% حالياً)، زائدا ( 2 ) مجموع أرصدة  العملة الإلزامية في المصارف التجارية ( ع زم ت ). زائداً ( 3 )  العملة الإلزامية المتداولة  خارج المصارف وخارج الخزائن الحكومية ( ع زخ م ح ).

إذن  ق ن ش =  ح زو م ت + ع ز م ت + ع زخ م ح =27.686 +1.12+35.262 = 64.068 ملياردينار.

لكن المبلغ الذي سجله مصرف ليبيا المركزي يكبر بالمقدار 1.692مليار دينار كودائع للمؤسسات العامة والمؤسسات المالية في المصرف المركزي في 31\1\2019، هنا تجدر الإشارة منذ نشأة المصرف المركزي كمصرف مركزي وتجاري ، لعدم وجود مصرف تجاري ليبي، كان في حسبانه احتضان المؤسسات الليبية العامة، لذلك تم إنشاء المصرف المركزي ، تحت اسم ( المصرف التجاري الوطني ) لكي تكون تلك المؤسسات العامة تحت الإدارة الليبية من جهة ، ولتحظى  بالمساعدة المصرفية والفنية من جهة أخرى ، مقابل إعفائها من رسوم الخدمات المصرفية ، وعدم منحها فوائد على ودائعها، وعند انفصال القسم التجاري  عن المركزي في ديسمبر 1972 احتفظ القسم التجاري باسم المصرف التجاري الوطني ، واستمر المصرف المركزي كمصرف ليبيا المركزي، لكن بعد أكثر من خمس  سنوات  من ترك المصرف  ( يناير 1998 ) وأنا متعاون  مع الأكاديمية  الليبية للدراسات العليا ، وجدت أن بند الودائع تحت الطلب للمؤسسات العامة تمت إضافته إلى مكونات القاعدة النقدية.

وعلمت من مدير إدارة البحوث والإحصاء أنه بإشارة  أحد أعضاء بعثة صندوق النقد الدولي، وفي السنة اللاحقة ، عندما زارت بعثة الصندوق ناقشت العضو  المختص بالإحصاءات النقدية ، وللأسف استمع إلى حجتي ولم يرد عليها في حينها ومع ذلك ما دام مدير الإدارة غير مهتم بالأمر ، تركت ذلك للزمن والجيل القادم. لكن الصحيح هو الآتي :

إن الحجة الرئيسة في مكون القاعدة النقدية الذي يساهم في تحديد  القيمة الثمنية للوحدة النقدية  هو أن تكون القيمة الثمنية للوحدة  مساوية لمقدار المنفعة كقوة شرائية مستخلصة من سلعة أو خدمة ( من مكونات القاعدة )، كما أنه ليس من وظائف تلك المؤسسات العامة منح الإئتمان ( أي خلق النقود )، لأن ودائعها حالياً مع المصرف المركزي( بدلاً من المصرف التجاري )، وسحب صكوكها لصالح الجمهور  ، فهي زيادة في عرض النقود (كعملة خارج المصارف) سواء خرجت من باب المركزي أو من باب التجاري، وبعبارة أخرى يعتبر السحب النقدي من المركزي بالدينار الليبي هو انخفاض من مكون القاعدة النقدية ( 1 )( ح ل وم ت )، الأمر الذي يعني أن قرار السماح للمؤسسات العامة بإيداع أموالها لدى المصرف المركزي يُحدث تضخماً في القاعدة النقدية ، مما يجعلها مضللة في مجالي التخطيط الإقتصادي والتوقعات الاقتصادية، إذن من الأفضل أن نرشد القاعدة النقدية كما سجلها مصرف ليبيا المركزي ( ق ن د )، أي بخصم قيمة  ودائع المؤسسات العامة مع المصرف المركزي ( وؤع ) البالغة 1.692 مليار دينار، وإضافة نفس المبلغ إلى مُكون القاعدة النقدية ( 3 )(ع زخ م ح) ليبقى مجموع  القاعدة  ثابثة، ولكنها بحجم أكبر مما لو بقيت تلك المؤسسات مع المصارف التجارية، حيث ينعكس على القاعدة النقدية 20% من الودائع ( 0.20*وؤع = 0.33846) بدل الودائع كلها، إذن بالمقارنة بين القيمة الدفترية للقاعدة النقدية ( ق ن د) الظاهرة في جدول القاعدة النقدية مع القاعدة النقدية المرشدة ( ق ن ش ) بالأثر الحسابي الخاطئ ، والظاهرة هي الأخرى في نفس الجدول، لوجدنا أن قسمة القاعدة النقدية الدفترية  على القاعدة النقدية المرشدة ( ق ن د\ق ن ش ) = نحصل على متوسط  انحراف موجب نحو 2.2% لمدة الأشهر الستة  الأولى في عام 2019.

لا شك أن القاعدة النقدية تعتبر أداة مهمة للسياسة النقدية ، وخاصة من خلال مضاعف النقود الذي يساوي خارج قسمة كمية عرض النقود على القاعدة النقدية ، مما يتطلب المخطط  إحصاءات دقيقة وسليمة تُضيء له الطريق للوصول إلى  المقاصد المنشودة للإقتصاد الليبي.وبالتالي يكون المضاعف  لكمية عرض النقود هو ( ض ن1 = ق ن د\ق ن ش ) ليكون معدل متوسط مضاعف النقود الدفتري نحو 1.728 ( م ض ن1 د = 1.72775 ) خلال آلأشهر الستة الأولى من عام 2019م ، مقابل معدل أكبر ( 1.766 ) سجله مضاعف كمية النقود على أساس القاعدة النقدية المرشدة خلال نفس المدة ( م ض ن1ش = 1.76611 )، ذلك لأن العلاقة بين عرض النقود والقاعدة النقدية تكون طردية ، وبالتالي يعتبر النقصان في القاعدة النقدية، يؤثر بالزيادة  في مضاعف عرض النقود.
                          
المصدر :مصرف ليبيا المركزي- النشرة الاقتصادية –إدارة البحوث والإحصاء – الربع الأول والربع الثاني لسنة 2019.

ونصيحتي  لجميع زملائي الاقتصاديين ( وخاصةً أصحاب الماجستير الذين تخرجوا بتقدير ممتاز من جامعاتنا ) أن يعتمدوا على إحصائيات دقيقة ومعتمدة ، لكي يكون تحليلهم منطقياً وذا علاقة قوية مع المقاصد الاقتصادية.

ومن عمق التاريخ القديم جاء مصطلح قاعدة الذهب ، عندما سادت هذه  القاعدة في عملات بعض البلدان الغربية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، بل قبل ذلك بكثير أُصدرت  عملة معدنية  ذهبية من قبل  الدولة البيزنطية  والدولة الرومانية، كما أُصدرت عملة معدنية فضية من قبل  دولة الفرس ، ثم بدأت دول الخلافة الإسلامية منذ عام 696 م ( بدأها الخليفة الخامس عبد الملك بن مروان  للدولة  الأموية ) تصدر عملتي الدينار الذهبي والدرهم الفضي بأحجام مختلفة حتى سقوط الخلافة التركية في عام 1918 م.

 من حسن الطالع الإسلامي أن اهتدى الرسول صلى الله عليه وسلم ، في حديث الأصناف الستة، إلى تخصيص معدني الذهب والفضة للقيام  بخدمتين مختلفتين : الأولى هي خدمة الزينة عند المرأة ، إذا تم صنعهما كأدوات زينة. الثانية هي خدمة التداول كنقود في السوق التجارية، إذا تم صكهما كنقود تحكم بالعدل بين البائع والمشتري، أما بالنسبة للأصناف الأربعة الأخرى المطعومة ، إذا تمت المبادلة بالتساوي ، فتعتبر استبدالا، لأن الأخير لا يتضمن زيادة أو نقصاً لغة.

وبالتالي عندما نذكر القاعدة النقدية للدينار الإسلامي نقصد الدينار ذا الوزن 4.25 غرام من الذهب الصافي، وهو القاعدة النقدية الطبيعية للدينار الإسلامي. ولكن اليوم لا يوجد غطاء مادي ( سلعة ) لوحدة العملة، الأمر الذي جعل جميع الدول تصدر آلأوراق النقدية كنقود متداولة داخل بلدانها .

كما تجدر الملاحظة أنه من نتائج الآثار النفسية للحرب العالمية الأولى من جهة ، وتوسع التضخم بسبب الانهيار السريع في معدلات الإنتاج من جهة ثانية ، وبالتالي حصل الانهيار الاقتصادي الكبير لهذه الدول في عام 1929 م من جهة أخرى ، الأمر الذي جعل معظم هذه الدول ( وباقي دول العالم ) تبتعد عن الغطاء الكامل للقاعدة النقدية ، واللجوء إلى الغطاء بالنقد الأجنبي القابل للتحويل ، يدعمه غطاء جزئي أو كلي من الدين العام ( أذونات وسندات خزانة ) علما بأنه لا يوجد مصرف مركزي لا يحتفظ بحزء من الذهب النقدي ضمن أصوله في قسم الإصدار ( إلا القليل )، لأن الذهب هو الأصل الأسهل الفوري يتم تسييله عند الحاجة إلى الدولار ( عملة دولية ) ، وليس لغرض تثبيت القيمة الثمنية لوحدته النقدية فحسب ، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت أن تستمر بالمحافظة على ثبات سياستها النقدية ، من خلال المحافظة على سياستها نحو حجم القاعدة النقدية لغرض دعم استقرار قيمة  وحدتها النقدية، ومن يدري أن حكومة أمريكا كانت تعلم أن أداة حجم القاعدة النقدية تعتبر عند كبرها وتوازنها مع أسعار صرف عملات البلدان الأخرى ، تحقق لها سياسة نقدية تكون في صالح الاقتصاد الأمريكي  من جهة ، وتمكن سعر صرف الدولار التوازني مع أسعار العملات الأخرى أن يحدث السعر التوازني مع الثبات لجميع أسعار العملات الدولية، وخاصة بعد نشأة صندوق النقد الدولي حيث أصبح الدولار الأمريكي المعيار الأساسي ( وسط العملات الدولية ) حتى نهاية نوفمبر 1971 بسبب انفكاكه من القاعدة الذهبية واعتماده فقط على القاعدة الإنتاجية الاقتصادية الأمريكية من جهة ، وعلى مسئوليته القانونية الدولية من جهة أخرى.

لا شك أن هذين الأساسين هما مصدر القيمة الثمنية الطبيعية للوحدة النقدية في التحليل الاقتصادي، وليست القيمة الثمنية المحسوبة على أساس مقدار المنفعة المشتقة من السلعة موضوع غطاء الوحدة النقدية، علماً أن القيمة الثمنية الطبيعية هي الحل الأمثل في الاقتصاد التحليلي ومع ذلك بسواد انتشار العملة الورقية المصدرة من البنوك المركزية خلال الخمسين سنة الأخيرة، نجد أن القاعدة النقدية  في كل بلد يقابلها:

رصيد صغير من الذهب ( باستثناء الدول الغنية ) وأرصدة أخرى من النقد الأجنبي القابل للتحويل، لسداد فاتورة الواردات .


قوة الثقة في الدين العام المحلي أو الخارجي .

صدق الحكومة في التزاماتها القانونية السابقة، ووفق الممارسة السابقة.

وبالتالي وجب ألا يُبهرنا كبر حجم القاعدة النقدية ، إذا كان رصيد الذهب والنقد الأجنبي لا يغطي سوى فاتورة ثلاثة أشهر فقط من الواردات وهذا هو الحد الأدنى الممكن الذي يجب أن تلتزم به الدولة .