بن سليم: حماية المستهلك من غلاء الأسعار مهمة صعبة في سوق لا يحتكم للقانون

307

قال مسؤول عن إحدى جمعيات حماية المستهلك في ليبيا، إن هذه المؤسسات تمثل في العالم العربي والبلدان الأجنبية الأخرى أدوات مهمة للمؤسسات الاقتصادية الحكومية لمساعدتها في مراقبة السوق المحلي العمل على استقراره.

وأوضح خالد بن سليم في مقابلة مع صحيفة صدى الاقتصادية، بأنه على الرغم من وجود عديد من الدول تُمارس فيها الجمعيات الخاصة بحماية المستهلك نشاطها منذ فترة طويلة، إلا أن التحديات لاتزال كبيرة أمامها في ظل غياب الوعي المجتمعي بشكل بكبير ونقص الدعم المالي والفني اللازم.

وأضاف: في ليبيا، كانت بداية الجمعيات الأهلية المتمثلة في حماية المستهلك منذ العام 2011، رغم قصر عمر الجمعيات يبقى السوق المحلي بحاجة لمثل هذه المؤسسات في ظل غياب القانون واحتكام السوق للمضاربة في فترات كثيرة.

صحيفة صدى الاقتصادية حاولت تسليط الضوء على دور الجمعيات في ليبيا وأبرز التحديات التي تواجه جمعيات حماية المستهلك في المستقبل.

وفي ما يلي نص المقابلة:

في البداية، حدثنا عن دور جمعيات حماية المستهلك في ليبيا؟

بشكل عام المجتمع المدني نشط بعد عام 2011، ومن بين الجمعيات التي أنشأت هي جمعيات حماية المستهلك. دور الجمعيات كان صعب جدًا في بداية المشوار نتيجة غياب مؤسسات الدولة والضعف الواضح للأجهزة الضبطية في تلك الفترة،

كما يعرف الجميع حماية المستهلك جمعيات رقابية وليست تنفيذية، حيث قامت في السابق بأدوار من بينها التشجيع على عودة الحرس البلدي والجهات التنفيذية الأخرى خلال بداية العهد الجديد بعد ثورة فبراير ونجحنا في ذلك.


حاليا هناك تراجع كبير لدور الجمعيات في البلاد حيث انحصر دور الجمعيات على التوعية حتى في أزمة فيروس كورونا التي أثرت كثيرًا على أسعار المنتجات  والخدمات خاصة وأن ثقافة المجتمع والدولة بشكل عام غير متعودة على مثل هكذا جمعيات، إضافة إلى أن الشعب لم يتعود على المطالبة بحقه المتمثل في الارتفاع الكبير للأسعار أو عمليات النصب والاحتيال التي يتعرض لها.

لاحظنا من خلال عملنا بأن ثقافة المقاطعة أو تقديم الشكاوى من قبل المواطنين على انخفاض جودة المنتجات أو تدني مستوى الخدمات أو حتى عمليات النصب والاحتيال التي تقع عليهم تظل غائبة.


نحن نشاهد دائما أن المواطن يهضم حقه في جميع الاماكن خاصة في الشركات العامة مثل الخطوط الجوية وشركات النقل بشكل عام حتى الخاصة منها.
جمعيات حماية المستهلك تحتاج الى دعم مالي كبير من اجل تقديم عمل يساهم في مراقبة السوق وحماية المواطنين ومساعدة المؤسسات الحكومية الاقتصادية على أداء عملها، لكن للأسف هذا الأمر غير موجود في الوقت الراهن.

ما مدى التعاون بين جمعيات حماية المستهلك والجهات الحكومية في البلاد؟

في السابق والآن هناك تعاون جيد بين الجمعيات والمؤسسات الحكومية الاقتصادية من حيث استقبال الاقتراحات والخطط والأفكار، لكن عملية التنفيذ من قبل تلك المؤسسات لاتزال ضعيفة جدًا. المسؤولين عن الجهات العامة في الدولة تبقى نظرتهم تجاه مؤسسات المجتمع المدني قاصرة.


نحن دورنا مكمل لدور الجهات الاقتصادية على الأرض وبداخل السوق المحلي حتى تتمكن من تطبيق القرارات بالشكل الصحيح والاستفادة من التعاون والمساعدة التي يمكن تقديمها من خلالنا لهم.


في دول خارجية مثل الهند التي بها عدد سكان مرتفع تعمل جمعيات حماية المستهلك دور مكمل للحكومة للسيطرة على الأسواق والسلع والمنتجات الأخرى لحماية المواطنين وحماية الاقتصاد أيضا. لكن نحن لا نزال نتخبط في دوامة النظام الاشتراكي التي لم نخرج منها بعد، السوق الليبي لم ينتقل بعد للنظام الرأسمالي حتى الآن.

كيف تقيم وضع السوق المحلي، هل يحتكم للقانون أم هو يشبه السوق السوداء؟

للأسف السوق المحلي لا يحتكم للقانون بل يحتكم للعرض والطلب، إضافة إلى تحكم التجار ونظرتهم إلى هامش الربح الكبير الذي يمكنهم تحقيقه، السوق الليبي يحتاج إلى إعادة هيكلة بالكامل التجار في بلدنا يأخد الكثير لكن لا يقدم شيء لا للدولة ولا للمجتمع أيضا.


هناك سلع موجودة داخل السوق كل يوم لها سعر مختلف عن السابق، هذا الأمر ليس في صالح المواطن حيث أن القدرة الشرائية لا تتناسب الدخول، حيث أن عدد كبير من المواطنين هم موظفين حكوميين أو أصحاب أجور منخفضة، إضافة إلى أن جميع المنتجات تأتي من الخارج بواسطة التجار الذين يتحكمون في الأسعار.


لا يمكن إلقاء اللوم على التجار بصورة كاملة خاصة وأن الدولة لا تتحكم في سعر العملات الأجنبية المرتفع والذي يؤثر على التجار والسوق المحلي بشكل عام، أيضا الدولة غائبة حتى في عملية مراقبة الأسعار في السوق.


على الرغم من ذلك هناك عدد كبير من الموردين يحصلون على العملة الأجنبية من خلال المصرف المركزي، لكن نحن لاحظنا أيضا أن ارتفاع سعر أي سلعة بشكل مبالغ فيه يتضح أن هناك تاجر واحد يتحكم فيها وهذا يدل على أن المنافسة غائبة في السوق بسبب انحصار الموردين على مجموعة معينة فقط.


نحن نتوقع في حال نشر المصرف المركزي أسماء التجار المتحصلين على الاعتمادات سنجد أن أغلب الشركات تابعة لعدد معين من التجار، أي أشخاص يملكون أكثر من شركة توريد بضائع وسلع متنوعة.

كما يعلم الجميع وحتى الوقت القريب، هو أن أي تجار عندما يجلب منتجات من الخارج يجب أن تُسعر من قبل وزارة الاقتصاد بحيث يصبح هامش ربح تاجر الجملة معروف وهامش ربح تاجر القطاعي معروف أيضا، بحيث يصبح سعر السلعة ثابت من خلال قوانين الأسعار من الوزارة، لكن هذه الإجراءات غير معمول بها في السوق المحلي، قسم التسعيرة موجود بوزارة الاقتصاد لكن دورها غائب اليوم للأسف.

لكن حاليا، التسعيرة تعمد على ما يحصل في السوق من اضطراب (أي كل يوم ويومه)، خلال هذه الفترة تابعنا مراقبة اقتصاد بنغازي وطرابلس ووجدنا أنهما حددتا أسعار بعض المنتجات ووفقا للأسعار الموجودة في السوق. هذا يظهر أن الجهات الحكومية غير قادرة على مراقبة التسعيرة ووضعها وفق شروط الدولة وليس شروط السوق التي يتحكم بها مجموعة من الأشخاص.

لماذا لا نشاهد أثر إيجابي لجمعيات حماية المستهلك خلال الفترة الحالية المهمة؟

هناك قصور في دور الجمعيات خاصة خلال السنوات القليلة الماضية وفي الوقت الحالي أيضا، لكن نحن يتمحور دورنا على التوعية وليس تنفيذ القوانين بسبب طبيعة عمل الجمعيات الأهلية، هناك كم هائل من الأجهزة الرقابية في الدولة لكن للأسف لا تعمل بشكل الصحيح، جهاز الحرس البلدي يملك اختصاصات كبيرة أيضا جهاز الرقابة على الأغذية يملك اختصاصات مهمة، مع وجود اعتقاد بأن هناك تداخل بين تلك الأجهزة من ناحية الاختصاص؛ بسبب عدم وجود جهاز أو هيئة تربط تلك الاختصاصات والجهود بحيث تساهم بشكل أقوى في تنظيم السوق.

نحن نتمنى أن يكون لدينا هيئة خاصة بحماية المستهلك مثل الموجودة في دولة عمان التي تعتبر دولة رائدة في هذا المجال. على الرغم من ذلك نحن أيضا نملك جهاز الحرس البلدي الذي يصل عمره إلى أكثر من خمسين سنة، من المفترض أن تكون الريادة لنا نحن في هذا المجال لكن الواقع عكس ذلك.

هل تملك الجمعيات قاعدة بيانات جيدة وأبحاث أعدت سابقاً حول السوق المحلي؟

نحن عملنا على السوق المحلي لفترات طويلة، لكن مع عدم وجود استقرار خاصة في سعر العملات الأجنبية أصبح الأمر يشبه الفوضى حيث كل يوم تتغير الأسعار بشكل غير طبيعي ومبالغ فيه أحيانا أخرى.


لا يمكن لأي شخص أن يقول بأن تسعيرة منتج واحد ستبقى ثابتة لفترة طويلة، اليوم سعر الدولار والعملات الأخرى تجاوز سقف ستة دينار هذا من شأنه أن يرفع أسعار عدد كبير من المنتجات في السوق، هكذا هو الحال الأشياء التي ترتفع أسعارها من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تنخفض أسعارها مرة أخرى هذا ما لاحظناه على الأقل خلال هذه السنوات.


خلال الأيام الماضية وصلتنا شكوى حول تعرض سيارة أحد المواطنين نوع تويوتا لخلل في المحرك بعد قطعها لمسافة ثمانية آلاف كيلو متر، هذا الشخص طلب المساعدة من خلال إيجاد حل لمشكلته لكن عندما تنظر لا يمكنك التأكد من أن وكيل شركة تويوتا موجود في ليبيا فعلا هناك العديد من الأشخاص يدعون أنهم وكلاء لشركة تويتا في البلاد. هذه الأمور تصعب عملية التدقيق وإصدار تقارير حول ما يحدث في السوق.


ومع ذلك نحن قمنا بالعمل على إصدار عدد لا بأس به من التقارير والأبحاث إضافة إلى مخاطبة لجنة الدستور التي من خلالها وضعت بعض المواد الخاصة بحماية المستهلك لكنها كانت تعتبر قليلة وغير كافية، كما قلنا سابقا تبقى حماية المستهلك تحدي كبير يواجه الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أيضًا. 

ما هو مستقبل جمعيات حماية المستهلك في ليبيا؟

في حال لم تتدخل الدولة من خلال دعم مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على حماية المستهلك، من الصعب توقع مستقبل أفضل لمثل هذه الجمعيات غير الربحية، يبقى التمويل والقوانين التي تصب في هذا الاتجاه أمر بالغ الأهمية في استمرار تطور الجمعيات خلال الفترة المقبلة التي نتمنى أن تنتشر على نطاق أوسع. إضافة إلى ذلك تواجه الجمعيات تحديات حتى على مستوى المنطقة العربية وليس ليبيا وحدها.