حبارات يكتب: توضيح مهم حول إختصاصات الحكومة والمركزي بشأن تنفيذ الميزانية العامة وفق القوانين والتشريعات المالية النافذة

138

كتب: الخبير الاقتصادي نورالدين حبارات

لوحظ مع صدور بيان المركزي الأخير بشأن الإيراد والإنفاق والذي تضمن ولأول مرة تفاصيل أكثر وأوضح نوعاً ما عن حجم الإنفاق على كافة الجهات العامة الممولة من الخزانة العامة كل جهة على حدا وذلك في إطار ما سماه المركزي إلتزامه بمعايير الشفافية والإفصاح .

لوحظ إن الكثيرين ينتقدون المركزي ويرونه المسؤول الأول عن صرف كل تلك المبالغ التي يرونها بمثابة إسراف وهدر للمال العام يرتقي إلى حد التبذير والفساد خاصةً المتعلقة بالإنفاق التسييري ، وفي نفس الوقت نادراً ما ينتقدون الحكومة رغم إنها المسؤولة مباشرةً عن ذلك ، فالمركزي هو من نشر تلك البيانات وليس الحكومة التي كان يفترض عليها أيضاً أن تنشر من جانبها تلك البيانات إلتزاماً بتلك المعايير .

فهل يعقل أن تقوم جهة ما بنشر بيانات ندينها وتحملها المسؤولية ؟؟؟
وصراحةً هذا اللغط أو الخلط القائم بين وظيفتيي أو إختصاص كل من الحكومة والمركزي ليس وليد اليوم بل منذ سنوات .

ولذلك رأيت من الضرورة الوقوف عنده بهدف توضيحه بشكل قانوني ومهني لتكون الصورة أوضح وأشمل أمام المواطنين بعيداً عن تحفظاتنا عن أداء الجهتين وموقفنا منهما .

فكما هو معروف الإيرادات النفطية والضريببة والجمركية وفائض الشركات العامة وغيرها من رسوم خدمات وسائر الإيرادات الأخرى ، جميع هذه الأموال هي أموال للشعب والجهة المؤتمنة عليها هي نواب الشعب أي السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) بغض النظر عن موقفنا وتحفاظانتا منه .

وفي سبيل توظيف تلك الأموال في خدمة هذا الشعب يوكل هذا المجلس تلك الأموال إلى جهة أخرى وهي الحكومة لتقوم  بإدارتها وإنفاقها على الأبواب والأوجه والأغراض المخصصة لها بما يخدم مصالح هذا الشعب وذلك في إطار ما يعرف بقانون الميزانية والقوانين ذات العلاقة ، حيث يعتبر هذا القانون بمثابة أذن أو ترخيص لها License بصرفها و يحظر عليها أي على الحكومة مخالفته أو تجاوز السقف المحدد لها بالصرف ولا يسمح لها أيضاً بالنقل بين الأبواب أو ترتيب إلتزامات مالية بالمخالفة لذلك القانون دون العودة إلى ذلك المجلس ( مجلس النواب ) الذي تقع عليه مسؤولية مباشرة في مراقبة الحكومة في صرفها وإدارتها لتلك الاموال ومساءلتها من خلال لجانه البرلمانية ومن خلال أجهزته الرقابية ( ديوان المحاسبة وهيئة الوقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد ) كلً وفق إختصاصه المحدد له بالقانون .

كما يجب على الحكومة العودة إلى مجلس النواب عند حدوث أي طارئ لطلب ميزانية إستثنائية وكذلك عند طلبها لإعتمادات مالية إضافية للصرف على بنود غير واردة بالميزانية ظهرت أو أستجدت أثناء السنة المالية .

بمجرد إعتماد القانون ( قانون الميزانية ) تباشر الحكومة من خلال وزارة المالية بتنفيذه حيث يتم تحصيل الإيرادات وإصدار التفويضات المالية للجهات الممولة من الميزانية للصرف على الأبواب والبنود في الأوجه والأغراض المخصصة لها .

جميع تلك المبالغ المالية الأتية من إيرادات النفط والغاز والضرائب وسائر الإيرادات تودع في حسابات الحكومة( حساب الإيراد العام ) لدى المركزي الذي بدوره يودعها في الحسابات المخصصة لها وفق للقانون المذكور ( حساب الباب الأول ، حساب الباب التاني ، حساب التنمية ، حساب الدعم ، حساب الطوارئ ، حساب الإحتياطي العام أو المجنب ) وهكذا .

وعليه فإن الحكومة هي من لها الحق حصراً في التصرف في تلك الأموال وفق لقانون الميزانية والقوانين والتشريعات المالية النافذة ذات العلاقة ولها حتى عدم أو تقليص الصرف إذا ما رأت ضرورة لذلك وعليها أيضاً جباية الأيرادات المقررة .

فمسألة الصرف جوازية لها أي بإمكانها ألا تصرف بعض تلك المخصصات ولكن ملزمة بتحصيل كل الايرادات المقررة فعدم جبايتها لكل الإيرادات قد يضعها تحت طائلة المسائلة البرلمانية لإنه قد يترتب عن ذلك وقوعها في عجز مالي يتطلب عليها تدبيره إما من خلال زيادة الضرائب أو القروض والعودة لمجلس النواب لأخذ الإذن في ذلك أو حتى من خلال إقرارها  لتدابير تقشفية Austerity Measures .

و السؤال هناء ما هو دور أو إختصاص المركزي في هذا الشأن؟
قانوناً إختصاص أو دور المركزي وفقاً للقانون رفم (1) لسنة 2005 م بشأن المصارف ينحصر فقط في تنفيذ أو تسييل ما تقرره الحكومة من مصروفات وذلك بالخصم من حساباتها لديه بموجب أمر أو بإذن صرف صادر عنها ، والمركزي غير معني بمدى سلامة إجراءات الصرف من عدمها ولا يتحمل مسؤولية في ذلك ، فالحكومة هي المسؤولة مباشرةً عن مدى سلامة الصرف من عدمه وعليها الإلتزام بالقوانين و التشريعات المالية النافذة أثناء الصرف وتقع على الأجهزة الرقابية مسؤولية  التأكد من مدى صحة وسلامة الصرف بإنه يتم وفق القانون وفي الأوجه و الأغراض المخصصة له وعليها أي الاجهزة الرقابية كشف أي مخالفات أو جرائم مالية الحقت ضرراً بالمال العام وإحالة المخالفين إلى الجهات المختصة لمباشرة التحقيق فيها وذلك بعد دعمها و تعزيزها بالمستندات الدالة وعليها أي تلك الأجهزة إعداد تقارير دورية بالخصوص إلى مجلس النواب تبسط وتوجز فيها ملاحظاتها عن تنفيذ الميزانية .

كما إن المركزي ليس مهمته أو إختصاصه جباية الإيرادات المقررة ، فالخكومة هي المسؤولة حصراً عن ذلك فهي من تصدر وتبيع النفط وتبرم العقود مع الشركات الأجنبية من خلال المؤسسة الوطنية للنفط وهي أيضاً أي الحكومة هي من تجبي الضرائب و الجمارك وفوائض الشركات العامة و توردها  للمركزي الذي ينحصر دوره فقط في إيداع كل تلك الإيرادات في حسابات الحكومة لديه .

وعليه وبناءا على ما تقدم نستخلص ما يلي .
1- الحكومة حصراً هي من تجبي الإيرادات العامة المقررة وهي أيضاً من تقرر  الصرف وفق لقانون الميزانية وتتحمل مسؤولية مباشرة في حال مخالفتها للقانون المذكور والقوانين والتشريعات المالية ذات العلاقة .

2- المركزي ينحصر دوره في تنفيذ أو تسييل أذونات الصرف التي تقرها الحكومة، أي يمكن القول إنه ممول لها و ممول فعلياً في حالة العجز أو عدم كفاية إيراداتها المقررة ونفاذ إحتياطياتها وذلك من خلال القروض و السلف المالية التي يمنحها لها وفق القواعد و الشروط والضوابط التي يحددها القانون المذكور ، و ينحصر دوره أيضاً في إيداع ما تحصله و تورده الحكومة من ايرادات .

3- يتحمل المركزي مسؤولية مباشرة في حال ما قام بالصرف أو الخصم من حسابات الحكومة أو قام بإستخدام حساباتها في غير الأغراض المخصصة لها دون الرجوع إليها .

4- العلاقة بين الحكومة والمركزي في شأن تنفيذ الميزانية شبيهة بالعلاقة بين الزبون والمصرف التجاري ، فهذا المصرف ملزم بتنفيذ قيمة أي صك يحرره الزبون طالما حسابه به رصيد يغطي تلك القيمة والمصرف غير ملزم بتنفيذ أي قيمة تتجاوز  ذلك السقف أي سحب على الأحمر إلا وفق الإجراءات والضوابط المتبعة في هذا الشأن .
كما إن هذا المصرف لا يجوز له الخصم من حساب الزبون الرجوع إليه .

5- إلتزاماً و تنفيذاً لمعايير الإفصاح و الشفافية Disclosure and Transparency Standards فإن الأمر يتطلب من الحكومة نشر بياناً مفصلاً شهرياً وربع سنوياً عن  الإنفاق والايراد كما يتوجب على المؤسسة الوطنية للنفط نشر بياناتها شهرياً وبشكل مفصل عن قيمة الايرادات النفطية وإيرادات الغاز وتكلفة إنتاجهما وتوضيح أي بيانات أخرى يرى المواطنين إنها من الضروري معرفتها، فهذه أموال الشعب ومن حقهم معرفة كل شيء بشأنها و إزالة أي غموض يكتنفها .

وفي الختام نأمل أن تكون الفكرة قد إتضحت للجميع .