حبارات يكتب: ما هي التداعيات المُحتملة لميزانية بقيمة 100 مليار دينار على الإقتصاد؟ وكيف ستكون هذه التداعيات في حال إستبدال أو رفع الدعم؟ .. قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية

472

كتب المهتم بالشأن الاقتصادي “نورالدين حبارات” حول ميزانية العام الحالي قائلاً “بموجب القانون رقم ( 1 ) لسنة 2010 تم إعتماد أكبر ميزانية في تاريخ البلاد أنذآك ناهزت من 57.500 مليار دينار، ولكن مع ذلك لم يكن لهذا الرقم الضخم أي تداعيات سلبية على الإقتصاد لماذا؟

أولاً – لإن قرابة ما نسبته ‎%52 منها أي ما يقارب من 29.348 مليار دينار خصص للمشاريع التنموية في إطار خطة ثلاثية يقيمة 84 مليار دينار على مدار السنوات 2010 ، 2011 ، 2012 رغم الضعف الذي رافق أليات التنفيذ مع ملاحظة إن هذه الميزانية لم تنفذ بكاملها.
ثانياً – أسعار النفط أنذآك شهدت طفرة كبيرة حيث استقرت فوق حاجز 125 دولار للبرميل، وكميات الإنتاج تجاوزت 1.600 مليون برميل يرمياً و هذا يعني تنامي للإحتياطي الأجنبي و الإحتياطي العام للحكومة “الأموال المجنبة”.
وبالتأكيد كل تلك العوامل ساهمت في تحسين المؤشرات الإقتصادية أبرزهاالناتج المحلي، و معدلات التضخم التي بقت ملائمة بفعل ثبات سعر الدولار الذي استقر عند 1.30 دينار للدولار حتى في السوق الموازي.

في 2012 أقرّت حكومة الراحل عبدالرحيم الكيب ميزانية ضخمة بقيمة 70 مليار دينار اعتبرت الأعلى في تاريخ البلاد وبنسبة زيادة قدرها ‎%‎22 عن ميزانية 2010 المشار اليها أعلاه، ومع ذلك لم تكن لهذه الميزانية الضخمة أي تداعيات سلبية مباشرة على الإقتصاد، فالأسعار بقت مستقرة و كذلك سعر الدولار، واستمر ثبات و إستقرار هذان المؤشران حتى في 2013، وإلى حداً ما في 2014، رغم إن العام “2013” أقرّت فيه أيضاً ميزانية ضخمة تصل إلى 70 مليار دينار، وتوقف إنتاج و تصدير النفط في منتصفه، لكن يبقى السؤال لماذا؟

أولاً: لإن خلال العام 2012 إنتعشت الإيرادات النفطية حيث ناهزت من 50 مليار دولار، كما بلغت خلال العام 2013 40.600 مليار دولار، رغم تراجعها في 2014 إلى قرابة 15 مليار دولار فقط.

ثانياً: المركزي حينها ومن جانبه رفع كافة القيود على إستخدامات النقد الأجنبي، حيث بلغت المدفوعات من النقد الاجنبي في شكل إعتمادات مستندية وحوالات للقطاعي العام و الخاص خلال السنوات 2012، 2013 ، 2014 على التوالي 40.700 مليار دولار ، 46.800 مليار دولار، 40،100 مليار دولار إلى إن سجل ميزان المدفوعات عجزاً خلال العامين 2013 و 2014 قدره 6.230 مليار دولار 23.000 مليار دولار على التوالي في حين بلغت قيمة العجز في 2015 م قرابة 13.325 مليار دولار . وتسجيله فائض خلال 2012 م بقيمة 10 مليار دولار تقريباً.

وبالتأكيد التوسع في ضخ النقد الأجنبي من قبل المركزي خلال السنوات المذكورة ( 12، 13 ، 14 ) كان سبب مباشر في كبح جماح التضخم في ظل تزايد الإنفاق العام؛ ما أدّى إلى إستقرار الأسعار عند مستويات مناسبة واستقرّ الدولار في المتوسط في السوق الموازي عند 1.40 دينار للدولار.

لكن الْيَوم و في ظل حكومة السيد عبدالحميد الدبيبة فإنّ الأوضاع و الظروف الإقتصادية تغيرت تماماً، فأسعار النفط العمود الفقري للنقد الأجنبي ليست كما كانت ففي أفضل أحوالها قد لاتتجاوز حصيلتها هذا العام حاجز 19 مليار دولار، فإيرادات ديسمبر 2020 ويناير وفبراير الماضيين لم تتجاوز 5.200 مليار دولار وفق بيانات صادرة عن المؤسسة، كما إن الإحتياطي الأجنبي اليوم ليس كما كان في 2012، 2013 فهو يعاني عجز تراكمي يفوق 50 مليار دولار و يشهد طلب كبير رغم إرتفاع الدولار رسمياً منذ ديسمبر الماضي عند 4.48 دينار.

“وعليه وبناءاً على ما تقدم فإن ميزانية أو إنفاق عام بحجم 100 مليار دينار أو أكثر؛ أي ضعف ميزانية العام الماضي تموّل من دخل وهمي و ليس حقيقي في إقتصاد ضعيف غير منتج يعتمد بشكل شبه كامل على الإستيراد من الخارج، بالتأكيد سيؤدي إلى إرتفاع كبير في معدلات التضخم خاصة في أسعار السلع و الخدمات الأساسية نتيجة لزيادة الطلب، ما يعني مزيداً من الانخفاض في قيمة الدينار وتفاقم أكثر لأزمة السيولة، ولا يمكن للحكومة مواجهة هذا الطلب وكبح جماح معدلات التضخم عبر التوسع في الإستيراد كما حدث في السابق في ظل تهاوي الإحتياطي الأجنبي وضعف الإيرادات النفطية، كما إن أي قرار برفع الدعم عن الوقود أو إستبداله سيزيد من تفاقم معاناة المواطنين، ومزيد من التدهور في قدرتهم الشرائية في بلد شاسع مترامي الأطراف يفتقر للحد الأدنى من البنى التحتية من طرق ومطارات و وسائل نقل عام، ويعاني أزمة مزمنة في الكهرباء و غالبية موطنيه يصنفوا من ذوي الدخول المنخفضة”.

“وأخيراً لا أرى حل إلا من خلال إعادة صياغة مشروع الميزانية عبر إجراء تخفيضات في تقديرات الأبواب التي عادةً ما يعتريها الفساد و المتعلقة بالتسيبر والتحول و الطوارئ و إعادة ضبط فاتورة الدعم، كما يجب على الحكومة أن تهتم فقط بإستحقاقات المرحلة التي تعهدت بها، وهي إيصال البلد إلى الإنتخابات المقررة في 24 ديسمبر القادم، وهي المهمة التي أتت من أجلها و عليها تجنب الخوض في ملفات و مهام كبيرة تفوق قدرتها فعمرها وفق لإتفاق جنيف لم يتبقى منه إلا 8 أشهر و 24 يوم”.