خبير اقتصادي: نحتاج لأقصى درجات ضبط النفس لمراقبة السجال بين الرئاسي والمركزي

342

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أحمد”

كتبت أمس عن العيوب التاريخية من ناحية الإدارة العامة في الرسالة التي وجهها الرئاسي إلى المصرف المركزي فيما يتعلق بالقرار المستند على حالة الطوارئ للشروع في عملية بيع المخصصات الشخصية للأفراد بقيمة قدرها 5000 دولار أمريكي سنويا حسب الرغبة والطلب بالسعر المعتمد مضافا إليه الرسوم المقررة.

وقد سجلت بعض الانتقادات الفنية حول نص الرسالة ومرجعيتها وهو واضح في بوست أمس. لعلي أضيف هنا ملاحظة فنية أخرى على رسالة الرئاسي قبل أن أتناول رد المصرف المركزي تتمثل في أن صلاحية الحكومة المحلية بصفتها ممثلة للمواطن الليبي تتمثل في بيع الدينار وليس بيع الدولار وهذه القاعدة القانونية المعمول بها في أصول الإدارة العامة، فتحديد المبلغ في القرار كان يجب أن يتم بالدينار الليبي وليس بالدولار الأمريكي أي 13,150 دينار ليبي، بمعنى يسمح للمواطن الليبي أن يبيع 13,150 دينار ليبي يحصل بها على المبلغ المكافئ بالدولار الأمريكي بعد حساب الرسوم.

المصرف المركزي رد بالرسالة المرفقة وللتأكيد فهي رسالة مسربة بمعنى أنه لا وجود لها في صفحة المركزي الرسمية وغير مكتملة ولا يوجد بها تاريخ. لا بد من الاعتراف بأن صياغة رسالة المصرف المركزي هي أكثر احترافية من صياغة رسالة الرئاسي من النواحي القانونية والإدارية.

لا غرابة أن يلتقط المركزي التصرف الغريب الذي وزعت به رسالة الرئاسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل توزيعها رسمياً كبداية هجومية ضد هذا السلوك وهو حقيقة تصرف خارج إطار أي منطق إداري سليم. بعض تعليقات الأصدقاء أشارت إلى أن هذه السياسة من الرئاسي متعمدة لإحراج المركزي أمام الجمهور الليبي، ولكن هذا أيضا بالنسبة لي غير مفهوم، فالجمهور يمكن إعلامه عن طريق خطاب شفهي إعلامي بفحوى الرسالة أو مضمون الاختلاف مع بقاء المكاتبات التحريرية مغلقة بين أجهزة الدولة، وهذه الطريقة ستكون أكثر تأثيرا وتحفظ في نفس الوقت هيبة الدولة والسلطات.

يلتقط المركزي بعدها مغالطة وقع فيها الرئاسي في تحديده 5000 دولار للأفراد، بعدم تحديد من هم “الأفراد”، المركزي أعتبر أن الأفراد الليبيون هم 7.6 مليون فرد ولتغطية الجميع فردا فردا سيحتاج المصرف إلى 38 مليار دولار.

هنا طبعا يتبين لنا إلى أي مدى انحدر نوعية الخطاب بين الجهازين الحكوميين، فالرئاسي ضمنيا هنا لم يقصد أن يتم تغطية كل الافراد بما فيهم الأطفال وكبار السن، وبالرغم من ضبابية محتوى الرسالة من الرئاسي والتي كان يمكن أن يتم التفاهم حول مضمونها بالحوار بين الجهازين بعيدا عن الأعين إلا أن رسالة الرئاسي كانت خطأ واضح ولم يتوان المركزي بقول “كش ملك” للرئاسي بكل فجاجة.

وتستمر رسالة المركزي في توجيه اللكمات إلى الرئاسي مستغلة نقاط الضعف في رسالته بما فيها العيوب القانونية في إسناد هذه الإجراءات النقدية إلى حالة الطوارئ، إلا أن رسالة المركزي تدخل في متاهة سياسية عندما تبحث عن مرجعيات تشريعية للمركزي غير موجودة على أرض الواقع ليبيا (ربما موجودة في الخارج). ووفقا لرسالة المركزي فإن الإصلاحات الاقتصادية تم تنفيذها بالكامل عدا موضوع معالجة دعم المحروقات، وحقيقة فإن ما تم تحقيقه من الإصلاحات الاقتصادية لا يتعدى موضوع فرض الرسوم على سعر صرف الدينار الليبي وهو صراحة ليس إصلاح اقتصادي أبدا بل حل تلفيقي مؤقت اتخذ لعجز السلطات عن تحديد سعر صرف موحد كان الوقت ملائما جدا لإقراره حيث كان الإنتاج النفطي مستقرا وأسعاره مرتفعة.

كما أن موضوع دعم المحروقات حاليا وفي ظل الأسعار النفطية الحالية لا أظنه بهذه الجسامة سوى لتسجيل النقاط في حلبة المصارعة الجارية. أشارت رسالة المركزي إلى قضية مهمة وهي “التعجيل بالاستدانة من الخارج” كتهمة لاستنزاف للموارد المالية للدولة. وبغض النظر عن جدوى موضوع صرف الـ 5000 دولار، حقيقة يجب أن يكون هناك إعادة تفكير عميقة في تخوفنا من اللجوء للاستدانة من الخارج بشروط مرضية. بعد جائحة كوفيد-19 وتخفيض جميع الدول أسعار الفائدة بشكل كبير جدا سيكون الطريق الوحيد للتعافي الاقتصادي تكثيف التمويل من النقد الرخيص في السنوات الثلاث الأولى بعد الرجوع لتفعيل النشاط الاقتصادي.

إيقاف العملية التنموية بحجة عدم وجود التمويل والحفاظ على الاحتياطات المالية وتجنب الاقتراض من الخارج هو خلل هيكلي ناتج عن عوامل ثقافية. دول نفطية غنية مثل قطر، السعودية، الإمارات، العراق، الكويت تجاوزت هذه العوائق منذ زمن بعيد وعلينا أن نفكر جديا في استغلال الفرصة أمامنا خصوصا في الفترة القادمة.