دور صناديق الثروة السيادية في عصر ما بعد النفط ! “الجزء الثاني”

572

كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني – أخصائي اقتصاديات النقل

ظهر أول صندوق سيادي في العالم سنة 1953 في الكويت، والذي تتوزع أصوله كالآتي: 50% أسهم، 25% سندات ،عقارات 10%، في حين أن حصة الاستثمارات البديلة فيه تبلغ %15 ، ثم تبعه إنشاء عدد كبير من الصناديق السيادية حول العالم لتصل اليوم لحوالي ثمانون صندوقاً تملكها حكومات 47 دولة، وتحوز هذه الصناديق أصولاً تزيد في مجملها عن 8 تريليون دولار أمريكي بنهاية العام 2018 صعوداً من 3.5 تريليون دولار أمريكي كانت تحوزها بنهاية العام 2007 وفقًـا لإحصائيات معهـد صناديق الثروة السيادية  Sovereign Wealth Funds Institute، وبالتالي فإن هذه الأرقام تعني أن إجمالي الأصول المالية للصناديق السيادية العالمية تتجاوز في قيمتها القيمة الاجمالية للأسهم الخاصة وأصول كل صناديق التحوط حول العالم، وفي حقيقة الأمر فقد أدت الازمة الاقتصادية العالمية في العام 2008 إلى إبراز دور الصناديق السيادية، لكن الطريف في الأمر أنه وفي خضم نفس الازمة تم إقرار مبادئ سانتياغو، وهذه المبادئ تمثل إطار عمل ناظم لعمل الصناديق السيادية، وهي تشمل مجموعة من الممارسات والاجراءات التي تتبناها صناديق الثروة السيادية طواعية، والتي تؤكد على أهمية تطبيق معايير الحوكمة وإجراءات المسائلة المناسبة، وإتباع السلوكيات المنضبطة للممارسات الاستثمارية. وأن من مقتضيات هذه المبادئ هي تقديم إدارات الصناديق السيادية لتقارير دورية لملاكها عن حجم وطبيعة إستثماراتها .

لا شك في أن النمو المتواصل للصناديق السيادية وهي التي بدأت على إستحياء في ستينيات القرن الماضي هو تعبير عن حالة الخوف المرتبطة بتكرار الاختلالات في الاقتصاد العالمي وبالأخص الدول التي تعتمد في دخلها على الثروات الطبيعية والتي تنضب بمرور الوقت ولايمكن تعويضها، مايعني أن تلك الصناديق صارت ظاهرة متأصلة في النظام الاقتصادي العالمي، وهذا مايُفسر زيادة أعدادها بمرور الوقت، في حين يرى خبراء الاقتصاد العالمي أن إنحراف أسعار السلع والطاقة وبالأخص النفط عن سعرها المتوسط أثناء أو بسبب الازمات الاقتصادية العالمية لايعني تقلص أعداد أو أحجام الصناديق السيادية حول العالم ، بل على العكس من ذلك تماماً فالتقلبات الاقتصادية لن تمنع نمو الصناديق السيادية المالية الضخمة وإستثماراتها في الأسواق العالمية، وإن كانت في شكل إستثمارات متنوعة وذلك لتجنب المخاطر.

تجدر الاشارة إلى أنه وقبل ظهور جائحة كورونا مطلع العام 2020 نجحت الصناديق السيادية في تعزيز القدرة الاقتصادية للدول المالكة لها، بحيث مثلت عوائدها رافدًا إضافياً من روافد الدخل القومي، وساهمت في رفع مستوى معيشة أفراد المجتمع، كما ساهمت أيضاً في تحقيق إستقرار إقتصاد بعض الدول (وإن كان على المدى الطويل)، بل أنها عززت من القدرة الاقتراضية للدولة المالكة لها، إذ مكنتها حالة الاستقرار المالي من الاقتراض من الأسواق الدولية بكل سهولة، حيث يعتبر المقرضون أن الصناديق السيادية وأصولها تُعد ضمانة موثوقة على قدرة الدولة المقترضة على السداد.

لقد أدى نمو الصناديق السيادية إلى جلب العديد من الفوائد الأخرى للدول المالكة لها وبالأخص وقت الأزمات و الإختلالات الاقتصادية وذلك من خلال مساهمتها في تنويع مصادر الدخل القومي (وهو مصطلح يختلف عن الدخل المحلي) عبر تنويع أنماط الاستثمار للأصول المالية، ولكن في مقابل كل هذه الميزات أو الحسنات فإن هناك قلق من تسارع وتيرة نمو تلك الصناديق وذلك لما تمثله من تحدي لآلية عمل الاقتصاد الحر، والسبب هو أن ملكية كل الصناديق السيادية حول العالم هي عامة: أي تملكها وتتحكم فيها حكومات دول، وهذا مايتنافي مع الاقتصاد الحر.

من جانب آخر فالصناديق السيادية تختلف عن البنوك المركزية جملةً وتفصيلاً، فالبنك المركزي هو أحد أدوات السياسات الاقتصادية المتنوعة والمعروفة، وهو المسؤول تحديداً عن السياسة النقدية للدولة، وبشئ من التفصيل فالبنك المركزي هو من يحتفظ بأموال الدولة، وهو من يدير العملة لغرض تحفيز الاقتصاد وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، أما صندوق الثروة السيادية فهو جسم أو كيان يهدف فقط للربح وتحقيق أعلى عائد لإستثماراته، أي أنه أحد عناصر الاقتصاد الجزئي، وبحسب معهد صناديق الثروة السيادية فإن الصناديق السيادية لاتتدخل في سياسات الاقتصاد الكلي، وعلى الرغم من هذا فإنه ثمة ثلاثة حالات (مسارات) تُعدُ إستثناءاً وهي (أي الحالات التي يطلب من أو مسموح فيها بتدخل الصناديق السيادية في سياسات الاقتصاد الكلي) :

  • تحويل أموال من الصندوق السيادي للموازنات العامة للدول لتلبية حاجات طارئة، أو
  • تقديم دعم مالي من الصندوق السيادي للبنك المركزي للدولة المالكة له وذلك لسد حاجات إستثنائية كالمتعلقة بميزان المدفوعات مثلاً، أو
  • التدخل لضمان إستقرار (إنقاذ) مؤسسات أو شركات محلية تقوم بدور محوري في الاقتصاد الوطني.

….. يتبع