دور صناديق الثروة السيادية في عصر ما بعد النفط! “الجزء الرابع”

824

كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني – أخصائي اقتصاديات النقل

أما فيما يخص الصناديق السيادية في قارتنا السمراء أفريقيَا فيمكننا القول أن العديد من دول القارة قد اتجهت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى تدشين صناديق ثروة سيادية ووجهت لها جزءاً من عائداتها، وذلك بهدف إعادة استثمارها من جهة، وللتحوط ضد الاختلالات الاقتصادية من جهة أخرى، وبحسب بيانات معهد صناديق الثروة السيادية SWFI فقد وصل عددها بنهاية العام 2019 إلى 89 صندوقاً تحوز أصولاً تزيد قيمتها عن 8 تريليون دولار أمريكي منها 17 صندوقاً في القارة الأفريقية، والتي تحوز لوحدها أصولاً تزيد قيمتها عن 115 مليار دولار أمريكي، وإن كانت الصناديق الأفريقية من النوعين المتوسط والصغير الحجم، وبشئ من التفصيل فإن الصندوق السيادي الليبي هو أكبر الصناديق السيادية في أفريقيا من حيث قيمة الأصول والتي تجاوزت قيمتها 60 مليار مطلع العام 2011 قبل أن يطال أصوله التجميد بفعل قرارات مجلس الأمن الدولى، في حين أن الصندوق السيادي لبوتسوانا والمعروق بأسم Pula هو أقدم الصناديق السيادية الأفريقية والذي أنشأ سنة 1994، كما أن الصندوق السيادي الحديث الإنشاء لرواندا هو أصغر صناديق القارة الأفريقية من حيث قيمة أصوله والتي تقدر ب45 مليون دولار فقط، ومن جانب آخر فإن لكل من نيجيريا والغابون صندوقين سياديين، وأن غانا لوحدها تمتلك 3 صناديق سيادية.

وفيما يخص الاستثمارات الخارجية الليبية والتي تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار فهي تتم إجمالاً عبر أكثر من جهة، لعل أبرزها على الإطلاق: مصرف ليبيا المركزي وذراعه المصرف الليبي الخارجي(LFB)، والصندوق السيادي الليبي المعروف بأسم المؤسسة الليبية للاستثمار (LIA)، وفي حقيقة الأمر فإن المعلومات عن المؤسسة الليبية للاستثمار وأصولها شحيحة، وهي إما منشورة ضمن التقارير السنوية لديوان المحاسبة، أو أنها في صورة مقالات صحفية قليلة العدد منشورة على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، والمؤسسة الليبية للاستثمار أنشأت بالقرار رقم 208 لعام 2006 والذي تم تعديله بالقرار 104 لعام 2008، ليعاد تنظيمها بالقانون رقم 13 لسنة 2010 وبهدف إدارة الفائض من إيرادات النفط الليبية، وهي تدير أكثر من 35 % من إجمالي الأصول والمساهمات الليبية بالداخل والخارج، وذلك عبر 5 أذرع هي: المحفظة الاستثمارية طويلة الاجل (LTIP) والتي أنشأت بالقرار رقم (767) لسنة 1991 وهي محفظة استثمارية تجارية لغرض الاستثمار طويل الأجل، والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية (لافيكو LAFICO) والتي أنشأت بموجب القرار رقم (1198) لسنة 1981، وهي أعرق وأنشط الشركات الاستثمارية الليبية، والقابضة للاستثمارات النفطية (أويل انفستOIL INVEST) والتي تأسست في العام 1988 وكانت تملكها المؤسسة الوطنية للنفط وبمساهمة لافيكو والمصرف الليبي الخارجي، ومحفظة ليبيا افريقيا للاستثمار (لايبLAIP) والتي أنشأت بالقرار رقم (15) لسنة 2006 وهي تدير أصول واستثمارات معتبرة في القارة الأفريقية، والصندوق الليبي للاستثمار الداخلى والتنمية (LLIDF) والذي أنشأ بالقرار رقم (107) لسنة 2009 كذراع استثماري وتنموي في داخل ليبيا، وبحسب قرار إنشائه فإنه يهدف إلي العمل على تحسين البنية التحتية للبلد بهدف تمهيد الطريق للقطاع الخاص للمشاركة الفاعلة والواسعة في الأنشطة الاقتصادية.

ومن جانب آخر، يمكن تصنيف أصول المؤسسة الليبية للاستثمار وأذرعها الخمسة إلى 3 أصناف:

 (1) استثمارات في شكل صناديق ومحافظ استثمارية.

(2) محافظ أسهم، ومحفظة صناديق استثمارات بديلة، واستثمار الدخل الثابت وأسواق المال، ويُشكل كلُ من هذين الصنفين مانسبته 72% من إجمالى استثمارات المؤسسة.

(3) وديعة نقدية لدى مصرف ليبيا المركزي تزيد قيمتها عن 19 مليار دولار، وهي تُشكل نسبة ال28% المتبقية من إجمالى استثمارات وأصول المؤسسة الليبية للاستثمار.

في حدود ماتوفر لدي من معلومات (من المصادر سالفة الذكر) يمكننا القول أن أهم الاستثمارات الليبية الموزعة في قارات العالم بنهاية العام 2010 تكونت من: حصة في بنك Uni Credit تبلغ 6.7% وهي مقسومة بين مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار، وبنسبة 4.6% للأول و2.1% للثاني، كما تمتلك ليبيا أيضاً حصة في ريتيليت للاتصالات وتقنية المعلومات الإيطالية قدرها 14.5% وهذه الحصة مملوكة بالكامل للشركة الليبية للاتصالات وتقنية المعلومات القابضة، وحصة قدرها 1% في شركة الألومنيوم الروسية روسال، وحصة مقدارها 10% في شركة صناعة الطوب النمساوية فينربرجر، وحصة قدرها 3% في مجموعة بيرسون الإعلامية البريطانية المالكة لصحيفة فايننشل تايمز FT، فيما تمتلك الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية لافيكو حصصاً قدرها 2% في مجموعة فيات الإيطالية، وحصة قدرها 7.5% في نادي يوفنتوس الإيطالي، وحصة قدرها 21.7% في شركة أولسيزي الإيطالية للمنسوجات، وحصة قدرها 2.6% في بنك كابيتاليا، وحصة قدرها 5.95% في مجموعة أونا المغربية، وحصة قدرها 47% في سلسلة فنادق كورنثيا، وحصة قدرها 10% في شركة فين بارت الإيطالية للمنسوجات، فيما تملك محفظة ليبيا أفريقيا شركات اتصالات وسلسلة فنادق ومنتجعات ومساهمات في أقمار صناعية، بالإضافة لملكيتها لشركة نفط ليبيا وشركة الاستثمارات الأفريقية لايكو، ناهيك عن المصافي ومحطات الوقود المنتشرة في قارة أوروبا والتي تملكها أويل انفست، وبحسب موقع المؤسسة الليبية للاستثمار على الإنترنت فإن المؤسسة وأذرعها الخمسة يديرون أكثر من 550 محفظة وشركة حول العالم.

وبحسب موقع المؤسسة الليبية للاستثمار على الإنترنت أيضاً فإن مجلس أمناء المؤسسة قد اعتمد سنة 2014 برنامجاً للتطوير الجذري والفرعي أو (المخطط التحولي) للمؤسسة، والذي يهدف إلى التحول لأربعة صناديق جديدة عبر هيكلية مبسطة لإدارة الأصول والصناديق الإستثمارية والتي تهدف إلى استقرار الموازنة والخزينة، واستثمار الأجيال القادمة، والاستثمار المحلي والتطوير، واستثمارات الإرث والتراث، وفي المقابل وبحسب تقارير ديوان المحاسبة فإن معظم استثمارات المؤسسة الليبية للاستثمار تتكبد خسائر، بل وأصبح رأس مال بعضها يتآكل إن لم نقل يتلاشى، في حين أن بعضها يحقق أرباحاً لكنها لا تتناسب مع حجم رأس المال المستثمر، أضف إلى ذلك وبحسب تقرير المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات المنشور عام 2016 فإن بعض الصناديق والمحافظ الاستثمارية عجزت عن تحقيق أغراضها التي نصت عليها تشريعات إنشائها، بل أن بعضها لم يتمكن حتى من توظيف الأموال التي ضخت فيها بالكيفية المطلوبة، كما أن عدم وجود سياسات تحوط وإدارة مخاطر معتمدة لدى العديد من الشركات التابعة لأذرع المؤسسة هو الآخر تحدي حقيقي، وحتى وإن وجدت فإنه لادراية ولاقدرة لدى بعض القائمين على الاستثمارات في تنفيذ سياسات التحوط وإدارة المخاطر، والتي بدورها فاقمت المشكلة وسبب تراكماً للخسائر من جهة، وزادت من ديون البعض الآخر من جهة أخرى.

يتبع..

رابط الجزء الثالث