في ظل إيرادات مقدرة على أسعار بيع صرف أجنبي هل ستنجح ميزانية 2019 في الوفاء بالإلتزامات؟

675

مما لاشك فيه أن الإنقسام السياسي قد أثر إلى حد كبير في كافة الأوساط والأصعدة السياسية والإقتصادية بل وحتى الاجتماعية بليبيا، وقد كانت الموازنة التسييرية للدولة أحد تلك الأصعدة المتأثرة بهذه الأزمة فما بين شد وجذب داخل أروقة مجلس النواب باعتباره المشرع المخول باعتمادها إلى وزارة المالية بشقيها الغربي والشرقى وانتهاء بالمصرف المركزي صاحب اليد الطولى في البلاد هذه الفترة.

الميزانية التسييرية لسنة 2019 م كسابقاتها من الميزانيات تأخر إعدادها وعرضها واعتمادها ليستقر الرقم أخيراً على 46 مليار و800 مليوناً من الدينارات موزعة على الأبواب الثلاثة، لتحليل الأمر وتوضيح الأرقام اتجهت” صدى “صوب عدد من ذوى الشأن والمهتمين وكانت لها هذه الردود والتوضيحات:

مالية الوفاق تكشف أهم تفاصيل ميزانية 2019 :

قال عضو مكتب شؤون وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني “رضوان العربي” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية أن وزارة المالية مسئوليتها رسم وتنفيذ السياسات المالية للدولة الليبية في إطار التوجهات العامة للحكومة حيث تقوم الوزارة بإعداد الميزانية العامة الدولة بالتعاون مع الوزارات والجهات الحكومية وذلك على النحو الذي يعكس التوجهات المالية للدولة وفي مقدمتها الارتقاء بالمستوي المعيشي للمواطنين وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.

وأضاف أن وزارة المالية تحرص على توجيه الاستثمار الحكومي بما يتفق والسياسات المالية للدولة بالإضافة إلى إدارة الديْن العام والإبقاء على معدلاته في الحدود المقبولة دولياً والعمل على تعزيز الاستقرار المالي من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المالية المتاحة كما تحرص الوزارة على تعزيز علاقات التعاون المشترك مع الدول الشقيقة والصديقة في المجالات المالية في اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي والاتفاقات الجمركية والتجارة الحرة. 

وأوضح “العربي” أنه قد تم اعتماد ميزانية 2019 والمقدرة بـ 46.8 مليار دينار طبقاً لما تم تحديده في الترتيبات المالية للعام المالي 2019 ميلادي، مضيفا أن الباب الأول من الميزانية و يمثل المرتبات وما في حكمها خصص له مبلغ وقدره 25 ملياراً و285 مليون دينار، و الباب الثاني النفقات التسييرية والتجهيز والتشغيل خصص له مبلغ 7 مليار و975 مليون دينار، و الباب الثالث المتعلق بالمشروعات وبرامج التنمية بـ 7 مليار دينار، أما الباب الرابع لنفقات الدعم فخصص له مبلغ وقدره 6 مليار و540 مليون دينار. 

وأضاف أن دعم و تغطية الترتيبات المالية المحددة وفقاً لموارد الترتيبات المالية للعام المالي 2019 عن طريق إجمالي الإيرادات النفطية والسيادية الأخرى وتتمثل في : الموارد النفطية، الإيرادات السيادية {الجمارك -الضرائب ورسوم دخل الأنشطة الاقتصادية- الاتصالات -إيرادات بيع المحروقات بالسوق المحلى -أرباح مصرف ليبيا المركزي – رسوم الخدمات، و إيرادات الرسم الإضافي من بيع النقد الأجنبي. 

و أكد “العربي” أنه تم تخصيص مبلغ بمعدل 24% من الميزانية العامة، للتنمية وتخصيص مبلغ لسداد جزء من الديْن العام من خلال عوائد الرسم الضريبي من بيع النقد الأجنبي.

مالية المؤقتة : ميزانية 2019 واحدة ولن نوقف المرتبات بسبب الانقسام السياسي

وأكد وكيل وزارة المالية بالحكومة المؤقتة “مراجع غيث” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية أن ميزانية سنة 2019 سترى النور لأنها لن تتوقف بسبب الانقسام فلا يعقل أن نوقف المرتبات أو غيرها بسبب الانقسام السياسي ، ومهما كانت النفقات كبيرة أو صغيرة وإن حكومة الوفاق وحكومة المؤقتة كلا منهما وضعا هذه الميزانية للدولة الليبية وهي ميزانية واحدة ولكن هذه ستنفذها الحكومة المؤقتة باعتبارها حكومة ليبيا بالكامل والتي ستنفذها الوفاق باعتبارها كذلك حكومة لليبيا فيما عدا المرتبات جزء منها يخرج من العاصمة طرابلس والجزء الآخر من الحكومة المؤقتة، و المؤقتة ستغطي جزءا من المرتبات التي لا تدفع من طرابلس، وبالتالي فإن جمع الميزانية وتقديرها ك94 مليار خطأ وقع فيه الكثير، فـ ال49 مليار التي أقرها النواب و46 التي أقرها الرئاسي هي ميزانية واحدة. 

وأضاف “غيث” أن وزارة المالية هي من تتدبر الأمور المالية وليس مصرف ليبيا المركزي، وفي ليبيا هناك خلط كبير جداً لأن وزارة المالية هي المسؤولة عن تقدير الأموال وليس المركزي ومن المفترض أن مصرف ليبيا المركزي لا يتدخل في موارد الدولة وما تنفقه الدولة، ومصرف ليبيا المركزي من اختصاصه السياسة النقدية فقط، أما الإنفاق و الإيراد هو اختصاص أصيل لوزارة المالية، مشيراً إلى أن البنك المركزي يستطيع تطبيق قانون أو إذا طلبت وزارة المالية إصدار سندات بحكم القانون يديرها مصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية أو الحكومة هي التي تقرر إصدار سندات تبعاً لحاجتها للتمويل وهذه وفق المادة الأولى للقانون المالي، ولكن في ليبيا مصرف ليبيا المركزي يتدخل بهذا الشكل في الميزانية و هذا أمر لم نسمع به في العالم إلا في دولة ليبيا. 

لأول مرة ميزانية تقر بدون وجود عجز مالي :

ومن جهته أكد عضو اللجنة المالية والاقتصادية بالبرلمان “عبد المنعم بالكور” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية أنه نتيجة حالة الانقسام في مؤسسات الدولة يصعب تنفيذ سياسة عامة موحدة تحقق التنمية والاستقرار بالبلاد وهو ما تم ملاحظته من خلال اعتماد قانون الميزانية للدولة للحكومة المؤقتة لسنة 2019 من طرف مجلس النواب في جلسة غير صحيحة وبدون نصاب قانوني، وأيضاً صدور قرار المجلس الرئاسي رقم 375 لسنة 2019 بشأن إقرار ترتيبات مالية، وتجدر الإشارة أن تقديرات الحكومتين كانت متقاربة في حدود 46.8 مليار دينار وهذا لا يعني أن نفقات الدولة ستكون في حدود 93 مليار دينار على اعتبار أن كلا الحكومتين يرى في نفسه أن المسؤول على أموال هذه البلاد وبالتالي سوف ينفق على كل موسسات الدولة دون استثناء .

وقال “بالكور” في حقيقة الأمر أن حكومة الوفاق الوطني قد أقرت ترتيبات مالية لسنة 2019 وذلك استناداً إلى الفقرة 6 من المادة 9 من الاتفاق السياسي على غرار ما حدث في 2017 و2018 وإذا ما افترضنا أن الترتيبات المالية هي بمثابة الميزانية العامة للدولة فإنه تجدر الإشارة إلى أن ميزانية 2019 قد أقرت بدون وجود عجز مالي وذلك لأول مرة خلال الخمس سنوات الأخيرة حيث بلغت الإيرادات المقدرة حوالي 46.8 مليار دينار وهو ما يكفي للصرف على أبواب الميزانية الأربعة وبالرجوع إلى مصادر الإيرادات فإن الإيرادات النفطية المقدرة قد بلغت 26.4 مليار دينار في حين قدرت الإيرادات السيادية الأخرى بمبلغ 4.6 مليار دينار وقدر إيراد الرسوم من بيع النقد الأجنبي بمبلغ 15.8 مليار دينار .

فيما يخص أوجه صرف هذه الأموال أضاف : كان النصيب الأكبر لباب المرتبات وما في حكمها والتي قدرت بمبلغ 25.285 مليار دينار والتي تجاوزت نسبتها 54‎% من إجمالي الميزانية في حين بلغت قيمة المصروفات المقدرة لباب التشغيل والتسيير مبلغ 7.9 مليار دينار بنسبة17‎% تقريباً من إجمالي الميزانية وقدرت النفقات المخصصة لمشروعات وبرنامج التنمية بمبلغ 7 مليار وبنسبة 15 ‎%‎ من إجمالي الميزانية أما نفقات الدعم فقدرت بمبلغ 6.54 مليار دينار بنسبة 14 ‎%‎ تقريباً من إجمالي قيمة الميزانية .

وتابع”بالكور” قائلاً: إن قيمة هذه الميزانية لا يوجد بها عجز مالي فلا أعتقد أن حكومة الوفاق الوطني ستواجه مشكلة في تنفيذها خاصةً إذا ما التزم المصرف المركزي بإيداع المبالغ المقدرة في حساب الإيراد العام حسب ما تم الإتفاق عليه.

وفي تصريح للخبير القانوني “سامي الأطرش” قال لصحيفة صدى الاقتصادية أن حكومة الوفاق الوطني أصدرت ميزانية والحكومة المؤقتة تصدر ميزانية تسيرية أخرى وبهذا توجد تجاوزات كثيرة بمفهوم الميزانية الموحدة من خلال خطة خماسية ومع احتياجات الشعب للتعليم وصحة وغيرها فتوجد ازدواجية في المعايير الآن ولا يمكن أن تصرف هذه الأموال في طريقها الصحيح لأنه يوجد نوع من إهدار المال العام و تجاوزات مالية لوقوع مؤسسات الدولة تحت السلطات الحاكمة فعلياً، والميزانية هي نوع من العبث السياسي ويجب أن نواجه مشكلة الانقسام السياسي حتى نستطيع وضع خطة مالية وفعلية مدروسة ومبنية على احتياجات الشعب الليبي.

ومن جهته قال الخبير الاقتصادي “أبوبكر أبو القاسم” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية إن قانون الموازنة هو في كل دول العالم أعلى من القانون في الأغلب وينظمها الدستور وعندما نتجاوز هذا الموضوع ويصبح مصدر الترتيبات المالية بالإتفاق مع عدد من مسؤولين تصبح هنا مشكلة كبيرة وبدايةً نبدأ من الحكومة المؤقتة التي بنيت توقعاتها المالية على قيم الإيرادات النفطية حوالي 44 مليار بالمقابل فإن حكومة الوفاق بنيت ترتيباتها المالية على ايرادات نفطية بما يعادل 26 مليار وهذا فارق شاسع وغير منطقي إطلاقاً. 

وأضاف أن الحكومة المؤقتة وضعت ترتيبات للانفاق حوالي 46 مليار، والترتيبات المالية في حكومة الوفاق حوالي،46مليار والجزء الأكبر منها حوالي 60٪ للمرتبات، بينما الحكومة المؤقتة في هذا الجانب لا تسيطر ولا تدفع في مرتبات إلا ما يقارب بنسبة 20٪ من قيمة المرتبات والباقي يصدر من الحكومة الوفاق ولا يوجد ما نقول إلا أن هذه الميزانية سياسية بامتياز. 

وأشار “أبو القاسم” إلى أنه في موازنة الحكومة  المؤقتة حوالي 6 مليار ميزانية تحول، والترتيبات الماليه 7مليار لنفس الغرض، دون تفصيلات واضحة ولم تحدد فيها أولويات الإنفاق ( هل مشاريع جديدة أو استكمال المشاريع القائمه. الخ).. هنا أيضاً موضوع تساؤل، و هناك الكثير من الملاحظات التي ربما لا يتسع المجال للخوض فيها، وبشكل عام أي موازنة بدون تحديد أهداف محددة ( مثل تحقيق معدل نمو محدد أو تخفيض معدل التضخم أو تخفيض للدين العام) تسعى السلطة التنفيدية للوصول إليها هيا مجرد جداول للانفاق لا أكثر ولا أقل.

تظل المرتبات وما في حكمها والدعم السلعي هي الشغل الشاغل للمهتمين والمتابعين وعامة الشعب في ظل اقتصادي ريعي بامتياز يعتمد كلياً على إنتاج النفط والغاز دون البحث عن بدائل وفي ظل استنزاف كامل إيراداته بل وقد يلجأ حتى لمدخراته وفي ظل عجز لميزان مدفوعاته تراكم ليصل مئات الملايين لينتج لاحقاً ضربات ارتدادية على الاقتصاد الليبي في السنوات القريبة اللاحقة.

فهل سيعي الليبيون الدروس المستفادة من تجارب الآخرين ويتداركون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أم سيتركوا الأيام تفعل بهم فعلتها وساعتها قد تكون الحلول الاقتصادية إن وجدت مؤلمة بل و ربما كارثية.