مستندات برسم تحصيل ” أراءٌ متعارضة و مستقبل الدولة نحو المجهول “

4٬595

مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك ، و في ظل ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الدينار الليبي ، و غلاء الاسعار و تدهور الوضع المعيشي ، بدأت الحكومة تبحث عن حلول تخفف بها من وطئة الأزمة على المواطن ، لكنها تناست أن هذه الحلول ربما تخفف الأزمة على المواطن ولكنها تثقل كاهل الدولة اقتصادياً ،أي أن الفائدة المرجوة من مثل هذه القرارات تختص بطرف واحد لا غير .

ففي 26 من شهر مارس و تحديدا في يوم الاثنين أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قرارا بتخصيص مبلغ “مليار و500 مليون” دولار لتوريد السلع الأساسية للمواطن عن طريق المستندات برسم التحصيل قبيْل حلول شهر رمضان المبارك.

ونصّ قرار “الرئاسي” على تشكيل لجنة من أربعة أشخاص تتولى البث في طلبات توريد السلع الأساسية عن طريق المستندات برسم التحصيل وإحالة الطلبات التي يتم اعتمادها والموافقة عليها لمصرف ليبيا المركزي.

وقد تناول المحللون و الخبراء الاقتصاديون هذا القرار بالنقد و التحليل ، و قد أجمع معظمهم على سلبية هذا القرار و تأثيره الكبير على اقتصاد الدولة المحلي .

نبدؤها برجل الاعمال الليبي حسني بي الذي صرح عبر وسائل اعلامية عن وجود العديد من الملاحظات حول نص هذا القرار وقال :

أولاً: 1.5 مليار من المواد المذكورة تمثل بأغلبها استهلاك ليبيا لعام كامل مثل مادة الطماطم و الشاي و الزيت و السكر و أقلها القمح يمثل استهلاك ليبيا 3 أشهر إذا لم يتم استيراد دقيق و لكن مع الدقيق يتعدى 8 أشهر .

ثانياً: شحن هذه الكميات قبل 5 مايو يحتاج إلى 150 ألف حاوية و ما لا يقل عن 100 سفينة وهذا أمر مستحيل خلال 6 أسابيع.

ثالثاً: 1.5 مليار تحت بند مستندات برسم التحصيل من المستحيل تمويلها من خلال البنوك الوحيدة العاملة و الواثقة بليبيا للتعامل معها بهذا الكم من المخاطرة خلال 6 أسابيع.

رابعاً: هذا الإجراء سيخلق طلبا من هذه المواد خلال 6 أسابيع وسيكون له الأثر السلبي المتمثل في ارتفاع أسعار البيع لدى المصدرين و كذلك ارتفاع أجرة النقل و استحالة التفتيش.

خامساً: هذا الإجراء لا يحل مشكلة سيولة بل يسبب المزيد من الفارق بين النقد و الصكوك للطلب على السيولة .

وذكر حسني بي في نهاية حديثه أن الاستيراد برسم التحصيل قد يكون أفضل من العمل بالاعتمادات من ناحية الانسياب طويل المدى و فتحها على مدار السنة و ليس لمدة محدودة ، كما أن الاستيراد برسم التحصيل يقلل المصاريف و ترتفع المنافسة و يتم تغطية القيمة بالعملة بعد التوريد ما لا يقل عن 60 يوما بدلا من رصد الدفع المسبق و التغطية كما هي بالاعتمادات مع ارتفاع تكلفة التعزيز البنكي

أما الاعلامي المتخصص بالشأن الاقتصادي أحمد السنوسي فقد علق عن هذا القرار و هو يبارك للمهربين و التجار الذين سيستفيدون منه في نظرة مستقبلية لتبعات هذا القرار قائلا :

مبروك لإخوتنا المهربين التوانسة والجزائرية والتشادية والسودانيين والنيجر هذا الكم من السلع التموينية.

على سبيل المثال، ليبيا كانت تستورد “تن” في عام 2010 بقيمة100 مليون دولار لعام كامل ، احنا توا بنستوردو “تن” بقيمة 70 مليون دولار لشهر واحد فقط .

مبروك للفاسدين، مبروك للكروش ، للتماسيح .

أما مؤسس سوق المال الليبي الدكتور سليمان الشحومي فقد علق على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك عن هذا القرار قائلاً  :

المستندات برسم التحصيل ملعب الكبار وصراع الجبابرة ولا عزاء لصغار التجار.

وقد عني الدكتور سليمان بحديثه هذا أن مثل هذا القرار يستثني صغار التجار من الفائدة ، و أن المستفيد الأول و الأخير منه هم أكبرهم والذين أطلق عليهم لفظ “جبابرة ”

أما دكتور الاقتصاد بجامعة مصراتة ” مختار الجديد ” فقد علق عن هذا القرار تعليقاً تغلب عليه النظرة المستقبلية ، و التي تنبأ بها بناءاً على القرارات السابقة الخاصة بالاعتمادات و المستندات و قال :

حتى عيد الفطر ستأتيهم فجأة كعادتها وكما تفعل في كل عام هي وشهر رمضان ،، وسيجدون انفسهم مضطرين لاجل المواطن البسيط انهم يفتحوا مستندات برسم التلخبيط لتوريد الملابس والاحذية قبل العيد باسبوعين

و علق تعليقاً أخر بنكهة فكاهية ، عن الطماطم الذي ستستورده الدولة الليبية قائلاً :

60 مليون دولار للطماطم ، جايبات 120 مليون حكة بمعدل 20 حكة طماطم لكل مواطن ،، يعني الفطور في رمضان طماطم والسحورطماطم ،، واللي يزيد بعد رمضان ليسو بيه الحيشان ،، توفر عليكم الاسمنت والزواق ( 2 × 1 ) ،، حلو زواق بلون دم الغزال ؟

مختار الجديد

أما الدكتور علي أحمد الحجوب المستشار الاقتصادي بديوان المحاسبة فقد استخدم الحس الفكاهي الواقعي ليعلق على قرار الرئاسي ووزارة الاقتصاد حيث قال :

يبدو أننا سنصبح نستدل علي قرب حلول شهر رمضان الفضيل…ليس بدخول رجب ولكن بصدور قرار مستندات برسم التحصيل ….

وقد كان له تعليق أخر عبر فيه عن بعض المخاطر و الاثار السلبية التي ستترتب عن هذا القرار ، مثل السرقة التي ستترتب عليه والفساد وعمليات التهريب التي تستمر في التصاعد قائلاً :

هل هناك جامعة أو مستشفي يقدم خدمات مخفضة لعموم الناس او مشروع سكني للشباب او ابراج تتوسط مدن ليبيا؟؟؟…رجال المال في ليبيا غالبيتهم بنوا ثرواتهم أما من خلال الاعتمادات وتهريب السلع أو من خلال عقود الدولة عموما…ومازالوا يتربصون وكان خزائنهم لا قعر لها…

تتضارب الأقوال و الأراء و المستقبل مجهول ، والسرقات تنتشر و الفساد يتصاعد ، وتبقى الدولة الليبية هي الضحية الأولى في ظل القرارات الغير مدروسة من الساسة و الحكام ، و السؤال الذي يطرح نفسه هنا متى سيلتفت المتحمين بمقاليد القرار الاقتصادي الى الاصلاح و التغيير و البناء و الى مثلا سيستعملون المسكنات ضعيفة المفعول ! .