بعدما بدأت البلاد تتجه بكل ما فيها الى حافة الهاوية ، وبدأت قواها تتهاوى شيئا فشيئا ، الاقتصادي منها والامني والسياسي ، وكثرت الصراعات والازمات لاسباب عدة اولها وابرزها الوضع الاقتصادي المتأزم .
حيث أصبح عنوان المشهد المألوف لدى جميع المواطنين هو الحرمان والنقص ، وكثرت الطوابير والصفوف على كل شي حتى وان كان في معظم دول العالم حقا مكفولا ، حيث صعب الحصول على الخبز والماء والوقود والغاز ، بل وحتى النقود بذاتهم .
وبعد سنوات من التأزم بدأت القوى الحاكمة في البلاد بالتفكير في حلول عاجلة وسريعة من شأنها أن تخفف من وطأة الازمة الراهنة ، ولكنها تأخرت كثيرا واصبحت كل الحلول المقترحة مسكنات الم تخفف وطأة وحدة الالم لساعات ولكنها تضاعفها بعدها مباشرة .
في 12 من سبتمر الجاري أقرت حكومة الوفاق مع مصرف ليبيا المركزي والمجلس الاعلاى للدولة حزمة من الاجراءات والاصلاحات الاقتصادية ، لتصحيح الوضع الراهن وقد تركزت جل هذه الاصلاحات على تصحيح وضع الدولار وتغيير سعر الصرف بفرض رسوم على شراءه ، وكذلك تعديل في الدعم على المحروقات ، ورفع مخصصات النقد الاجنبي للتعويض على المواطنين من 500 دولار الى الف ..
ولكن ما ان وقعت هذه الاصلاحات حتى تعالت الاصوات منها معارضة ومحذرة ومنها مصفقة ومهللة ،حيث حذر بعض الخبراء الاقتصاديين من التأثير العكسي لهذه الاصلاحات التي ان لم ينجح تنفيذها ستعود على الاقتصاد بالسلب وستعود الاوضاع الى ماهي عليه ، وغيرهم رحبو بها .
وقد اختارت لكم صدى مجموعة من اهم أراء الخبراء الاقتصاديين وكذلك قادة المشهد السياسي بين مؤيد ومعارض ..
اولها رأي الخبير الاقتصادي والاستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة مصراتة مختار الجديد والذي كتب عن المخاوف من الاصلاحات الاقتصادية حيث قال :
ياريت السادة في المجلس الرئاسي وخصوصا فايز السراج واحمد معيتيق يقروا هالكلام هذا كويس … وان شاالله مايطلعناش حد ويقول انهم فاهمينه ، لانهم لو مش فاهمين مشكلة ولو فاهمين مشكلتين.
،
خلي نبدو من أول السطر :
،
المشكلة : وجود كتلة ضخمة من الدينارات تبلغ 110 مليار دينار مابين كاش وارصدة بالمصارف وهي تمثل ضغط على أي دولارات يطرحها المصرف المركزي للبيع بسعر 1.40 وتجعل الجميع يتقاتل للحصول على هذه الدولارات
،
الحل تقليص هذه الكتلة من الدينارات وسحب جزء منها …
،
كيف ؟
بدلا من سحب 14 مليار دينار منها مقابل بيع 10 مليار دولار على سعر 1.40 وتنخفض بالتالي كتلة النقود من 110مليار دينار الى 96 مليار دينار فقط ، علينا فرض رسوم اضافية على بيع الدولار مثلا عند سعر 4.2 دينار وحينها سنستطيع سحب 42 مليار دينار من هذه الكتلة مقابل الـ 10 مليار دولار فتنخفض بالتالي الى (110-42) 58 مليار دينار. وهو ماينوي المجلس الرئاسي والمصرف المركزي فعله وهذا أمر جيد. فلو فعلنا ذلك ستنخفض الكتلة النقدية وسيخف الضغط على دولارات المصرف المركزي وحينها يمكن تخفيض قيمة الرسوم وينخفض الدولار في المصرف تدريجيا.
،
،
نضيف معلومة ان ال 42 مليار دينار اللي سيتم تحصيلها من بيع الـ 10 مليار دولارستتكون من جزئين الاول 14 مليار دينار ستذهب للمصرف المركزي مقابل الدولارات التي قام ببيعها عند سعر 1.40 أما الفرق بين 1.40 و الـ 4.20 دينار ومجموعه 28 مليار دينار فسيكون ايراد للحكومة في شكل رسوم .
،
،
وهنا على الحكومة أن تقوم بتحويل هذا الايراد الى المصرف المركزي سددا لجزء من قيمة الدين العام الذي يطلبه منها وقيمته حوالي 60 مليار دينار وهنا نكون قد حققنا المطلوب وهو تخفيض الكتلة النقدية وعالجنا جزء كبيرمن المشكلة ولكن .. واه من لكن.
،
،
ولكن المجلس الرئاسي مش فاهمين هالكلام ويريدون استخدام الايرادات والانفاق منها على الصحة والتعليم كما اشاروا وهم بالتالي سيعيدون المبلغ الذي سحبوه من الكتلة النقدية والبالغ 28 مليار الى السوق مجدد وسترتفع الكتلة النقدية من جديد ولن نحقق الهدف المرجو من تعديل سعر الصرف ، فالكتلة النقدية ستنخفض باستخدام فرض رسوم على سعر الصرف ولكنها ستعاود الارتفاع مجدد بسبب اعادة صرف هذه الايرادات من طرف الحكومة على القطاعات المختلفة وهنا سندخل في دوامة من التضخم وارتفاع الاسعار وسنجد أنفسنا نسير على خطى فنزويلا ،، نصيحة أخيرة للسيد فايز السراج خليك من كلامنا .. احداك وزير التخطيط د الطاهر الجهيمي رد عليه الشيرة وهو يقولك بالك احنا غلطانين
ثم ننتقل الى رأي احد اعضاء المجلس الاعلى للدولة المرحبين بهذه الاصلاحات وهو ادريس بوفايد حيث قال :
للبعض المشكك .. الإصلاحات الاقتصادية المؤقتة:
– ستنقد عشرات المليارات الدينارات من النهب من خلال الاعتمادات وتهريب البضائع المدعومة.
– ستنهي السوق السوداء ويصبح سعر الدولار في حدود 4 دينار بعد أن وصل حتى العشرة دنانير في فترة ما.
– ستوفر السيولة وتنتهي طوابير المصارف والدفع بالشيك المكلف.
– ستخفض الاسعار بدرجة قد تصل إلى 50% حسب رأي رجل الأعمال حسني بي.
– ستوفر موارد إضافية لسداد مستحقات على الدولة بمنظمات إقليمية ودولية ومستحقات داخلية كالدين العام على الحكومة للمصرف المركزي المقدر بحوالي ثلاث مليار دينار وعلاوات العائلة والأطفال وبدل الدعم والحوافظ ومخصصات الأسر من العملة الصعبة التي أصبحت 1000 دولار للشخص الواحد بالسنة وكذلك سيخصص جزء لدعم الوزارات الخدمية كالتعليم والصحة والمواصلات وغيرها.
كل هذا وهي إصلاحات مؤقتة وظرفية واستثنائية .. فماذا يريد هؤلاء أكثر من ذلك؟! ولكنه التشكيك والهدم والإحباط ليس إلا.ثم نعود الى رأي احد اهم الخبراء الاقتصاديين مؤسس سوق المال الليبي سابقا الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي حيث قال :
علي ذكر الاصلاح الاقتصادي : فإن اي برنامج للاصلاح الاقتصادي بالدول النامية تحديدا يحب ان يرتكز علي ثلاث مقومات هي:
الشمولية ، مدي التطبيق ، و السبب من وراء تطبيق الإصلاحات .
1- الشمولية ويقصد بها ان برنامج الاصلاح لابد ان يصل تاثيره لجميع الأفراد في المجتمع ويحسن من مستويات المعيشة .
2- مدي التطبيق ، وهو ان يكون مدي التطبيق يشمل هيكلة المؤسسات الحكومية عبر تحسين ادائها وتعديل جميع السياسات الاقتصادية وبشكل متناغم ( النقدية ، التجارية، المالية ) .
3- السبب وراء تطبيق ، ويقصد به توضيح السبب وراء اتباع نموذج معين من نماذج الاصلاح المعروفة وان يكون مقنع ويحضي بدعم السلطات التشريعية لضمان التناغم و الشمولية و الفاعلية .
كل هذه العناصر الاساسية غير متوفرة فيما اطلق عليه مجازا برنامج اصلاح اقتصادي بليبيا من قبل حكومة الوفاق والبنك المركزي ، واقتصر البرنامج الغير واضح والغير مكتمل الأركان الي تطبيق إجراءات نقدية فقط يقوم بموجبها البنك المركزي ببيع العملة الاجنبية كأنه تاجر بالسوق السوداء يضارب كما يفعل الاخرون ليقدم للحكومة تمويل إضافي تستخدمه دون رقابة السلطات التشريعية او الرقابية.
اما محسن دريجة الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستتمار فقد كان له رأي مخالف حيث قال :
القرار الذي تم اتخاذه يشكل خطوة على طريق الإصلاحات الاقتصادية. القرار في عمومه، وإذا ماتم الالتزام بتنفيذه، سيخفض سعر الصرف ويسيطر على السوق الموازي للعملة الصعبة. ولكن نجاح هذا القرار في الاستمرار في تخفيض سعر الصرف مرتبط بحجم انفاق الحكومة الذي ان استمر في النمو سيدفع نحو زيادة عرض النقد الليبي وسيجعل تخفيض الرسوم المفروضة وبذلك سعر الصرف صعب.
القرار استثنى واردات الحكومة من الرسوم بما في ذلك الوقود (ديزل وبنزين) الذي تحتكر استيراده واستثنى الانفاق بالعملة الصعبة على كل ماهو غير متوفر من القطاع الخاص. هذا هو احد عيوب القرار لانه يجعل حافز الاستيراد عن طريق الدولة كبير.
القرار أشار الى سلطة الحكومة على انفاق الرسوم وهذا ربما يوفر للحكومة ميزانية اخرى غير تلك الناتجة عن الترتيبات المالية، وهذا بدون ضوابط تحكم التصرف فيه سيرفع الانفاق ويجعل تخفيض سعر الصرف اصعب.
حكومة السراج تعرضت لضغوط كبيرة للاستمرار في استيراد السلع بالسعر الرسمي ١.٤٠ دينار للدولار بينما السوق الموازي حوالي ٦.٨٠ مما يشكل هامش ربح كبير في تهريب وتجارة العملة. الا أن انفجار الوضع الأمنى والحديث المتكرر عن ضرورة إنهاء هذا الفرق الكبير بين السوق الرسمي والموازي والضغط الدولي جعل المجلس الرئاسي يغير موقفه.
لايزال هناك خطوات اخرى وجب اتخاذها بعد توحيد سعر الصرف الا وهي رفع الدعم تدريجياً واستبداله بدعم نقدي للمواطن مباشرة ثم العمل على تنشيط القطاع الخاص وتقليص حجم القطاع العام الذي وصل الى مستويات قياسية أشبه بالانظمة الشيوعية.
وبين ارتفاع الاصوات وتعارضها وتزايدها يبقى المستقبل مجهولا والمواطن يتأمل وينتظر بين متفائل وفاقد للامل ..
فهل تعود الاوضاع الى سابق عهدها وهل ينقد الاقتصاد الليبي بعد ان قارب على السقوط ، وهل سيحصل المواطن على حقوقه قريبا ..
اسئلة كثيرة والمستقبل هو من يملك الاجابة