Skip to main content

الكاتب: صدى ليبيا

المصرف المركزي يتخذ إجراءات لتعديل سعر الصرف.. ويعدد الأسباب ويحذر بالأرقام

أصدر محافظ مصرف ليبيا المركزي بياناً اليوم الأحد بخصوص اتخاذ المصرف المركزي اضطر المصرف المركزي جملة من الاجراءات الحازمة من بينها إعادة النظر في سعر الصرف وذلك لخلق توازنات في القطاعات الاقتصادية في ظل غياب أمال أو آفاق لتوحيد الانفاق المزدوج بين الحكومتين.

وكشف المحافظ بالقول أن حجم الانفاق العام المزدوج خلال عام 2024، بلغ 224 مليار دينار، منها 123 مليار دينار نفقات حكومة الوحدة الوطنية و 42 مليار دينار مبادلة النفط، ونحو 59 مليار دينار انفاق الحكومة الليبية مقابل ايرادات نفطية وضريبية بلغت 136 مليار دينار، وهذا الانفاق ولد طلب على النقد الاجنبي بقيمة 36 مليار دولار.

وتابع: أدى التوسع في الانفاق العام المزدوج خلال السنوات الماضية وخلال عام 2024 إلى زيادة كبيرة في عرض النقود، إلى أن وصل مبلغ 178.1 مليار دينار، ما من شأنه أن يؤدي إلى عدة تأثيرات اقتصادية سلبية ويضع تحديات امام المصرف في ظل محدودية الادوات المتاحة لاحتوائه، وسيحدث مزيداً من الطلب على النقد الاجنبي واستمرار الضغط على سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازي، ومعدلات التضخم، ومخاطر فقدان عنصر الثقة في العملة المحلية.

وأضاف؛ ضعف إيرادات الصادرات النفطية الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي، حيث بلغت خلال عام 2024 نحو 18.6 مليار دولار فقط، وبلوغ المصروفات من النقد الاجنبي 27 مليار دولار نتج عنه فجوة كبيرة بين حجم الطلب على النقد الأجنبي والمتاح منه صَعَّبَ على ادارة المصرف المركزي تحديد سياسة واضحة لادارة سعر الصرف نتجية الطلب المتزايد على النقد الاجنبي والتوسع في الانفاق العام المزدوج.

وأفاد: وفي ظل الاستمرار في اصدار قرارات بالصرف على أساس اعتمادات 12/1 خلال عام 2025 من قبل الحكومتين، واستمرار التوسع في الإنفاق العام بنفس وتيرة عام 2024 وبلوغه مستويات 224 مليار دينار، سيفاقم الوضع المالي والاقتصادي للدولة ويضع تحديات جديدة امام المصرف ومزيداً من الطلب على النقد الأجنبي، وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات والميزانية العامة، وتنامي رصيد الدين العام.

وتابع أن بيانات الربع الأول من عام 2025 تظهر بوضوح استمرار وتيرة الانفاق العام المزدوج والتمويل بالعجز وارتفاع الطلب على النقد الاجنبي وعجز الايرادات النفطية عن تغطيته، وهو أمر خطير، حيث بلغ اجمالي مصروفات النقد الاجنبي للربع الاول نحو 9.8 مليار دولار ( منها 4.4 مليار دولار إعتمادات وحوالات و 4.4 مليار دولار بطاقات تجار وأغراض شخصية، ومليار دولار مصروفات حكومية)، أي ما يعادل 55 مليار دينار ؟!، في حين بلغت الايرادات النفطية والاتاوات الموردة للمصرف نحو 5.2 مليار دولار حتى يوم 27 مارس، بعجز بلغ نحو 4.6 مليار دولار خلال ثلاثة اشهر فقط، وسيزداد الأمر خطورة في حالة انخفاض معدلات إنتاج وصادرات النفط لأية متغيرات، أو تدهور أسعار النفط العالمية.

وقال: فاقم التوسع في الانفاق العام الناتج عن قرارات وقوانين في ارتفاع مستوى الدين العام القائم لدى مصرف ليبيا المركزي طرابلس وبنغازي، ليصل إلى قرابة 270 مليار دينار حالياً، منها 84 مليار دينار لدى مصرف ليبيا المركزي طرابلس نحو 186 مليار دينار لدى مصرف ليبيا بنغازي، ومتوقع أن يتجاوز اجمالي الدين 330 مليار دينار بنهاية عام 2025 في ظل غياب ميزانية موحدة والصرف بنفس وتيرة عام 2024 وهو مؤشر خطير جداً وغير قابل للاستدامة، ويُحدث تشوهاً كبيراً في مؤشرات الاقتصاد الكلي.

وأضاف: لتقليل الفجوة بين الطلب والعرض من النقد الاجنبي وعجز ميزان المدفوعات اضطر المصرف إلى استخدام جزء من احتياطيات النقد الأجنبي لفترة محدودة للمحافظة على استقرار سعر الصرف عند مستويات مقبولة، تحافظ على اسعار السلع والخدمات وتحد من انفلات معدل التضخم وتدهور القوة الشرائية للمواطن، إلا ان استخدام الاحتياطيات غير قابل للاستدامة، الأمر الذي اضطر المصرف المركزي معه إلى إعادة النظر في ضوابط النقد الأجنبي، وفي سعر الصرف لاحتواء تداعيات الانفاق العام غير المنضبط، وغياب سياسات إقتصادية كلية فاعلة، ومُحَدَّدة الاهداف.

هذا ويؤكد المصرف المركزي على قيامه بكامل واجباته في المحافظة على الأصول الأجنبية عند مستويات تتجاوز 94 مليار دولار منها 84 مليار دولار احتياطيات يديرها المصرف، وذلك في ظل التحديات الجسيمة، والبيئة الخطرة التي يعمل فيها.

كما أن عدم القدرة على محاربة والحد من ظاهرة تهريب السلع والمحروقات ساهم في تفاقم الازمة نتيجة زيادة الطلب على استيراد السلع والمحروقات واستنزاف النقد الاجنبي المتاح للمصرف المركزي، كما ان ظاهرة ارتفاع اعداد العمالة الوافدة غير الرسمية والهجرة غير الشرعية التي تستنزف قرابة 7 مليار دولار سنوياً، مما زاد من معدل استهلاك السلع والطلب على العملات الاجنبية في السوق الموازي والذي أصبح يغذي كافة الانشطة غير المشروعة وتوسع ظاهرة غسل الاموال وتمويل الارهاب في هذا السوق.

خاص.. شريحة يرد على تصريحات حسني بي ويقول: استبدال الدعم لن يغير شيء بل يزيد الأعباء على الليبيين في الوقت الراهن

علق الخبير النفطي مسعود شريحة في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية على تصريحات رجل الأعمال الليبي حسني بي بخصوص استبدال الدعم بالقول: استبدال الدعم لن يغير شيء من الوضع الاقتصادي بل يزيد الأعباء على الليبيين في الوقت الراهن.

وقال: بناءً علي تقرير المركزي، الايرادات المستلمة من بيع المحروقات فقط 154مليون دينار ليبي لسنة 2024 ، ومن المفترض أن يستلم المركزي حوالي 2.8مليار دينار ليبي بمعنى إن المركزي استلم فقط 5% من ايراد المحروقات ، وسؤال يطرح نفسه أين ذهبت 95% من إيرادات المحروقات .

وتابع: في حالة استبدال الدعم لن يتغير الوضع ببساطة الإيرادات لن تصل إلى المركزي، بالتالي استبدال الدعم سوف يزيد الأعباء على الناس والمركزي.

مضيفاً أن رئيس المؤسسة الحالي عاجز تماماً على إدارة التسويق النفط ويتضح جلياً في التصريحات المعلنة ولا يختلف عليها كل الليبيين، مدى صحة تقارير أوبك والمركزي والتقارير المحلية والدولية غير قابلة لتشكيك من قبل أي مؤسسة لا تتمتع بالشفافية ومبدأ تكافئ الفرص يعتمد على الجهوية والقبلية .

مع تحذيره السابق بالخصوص.. “اشنيبيش”: الدعوات لتخفيض أسعار النفط قد تفضي إلى أزمة قاسية للاقتصاد الليبي خلال 2025

في يناير الماضي، حذّر الأستاذ أنس اشنيبيش في تصريح لموقع “صدى الاقتصادية” من أن الدعوات المتزايدة لتخفيض أسعار النفط، والتي وصلت حد التوجه المباشر إلى منظمة “أوبك” من قبل إحدى أكبر الدول المنتجة، قد تُفضي إلى أزمة قاسية للاقتصاد الليبي خلال عام 2025.

مع تحذيره السابق بالخصوص.. "اشنيبيش": الدعوات لتخفيض أسعار النفط قد تفضي إلى أزمة قاسية للاقتصاد الليبي خلال 2025
مع تحذيره السابق بالخصوص.. "اشنيبيش": الدعوات لتخفيض أسعار النفط قد تفضي إلى أزمة قاسية للاقتصاد الليبي خلال 2025 1

حيث قال: “تتوارد الأخبار منذ أيام عن دعوات تخفيض أسعار النفط العالمية، بل تم توجيه الخطاب إلى منظمة الأوبك مباشرة من قبل رئيس دولة تمتلك أعلى معدل إنتاج للنفط في العالم، بين هذا الأمر الذي إن تم تنفيذه بالشكل الملح الذي شاهدناه، فإنه سيكون الأقسى على الاقتصاد الليبي والوضع المالي بشكل عام خلال 2025.”

وأضاف موضحاً التأثيرات المباشرة: “في دولة تعتمد على اقتصاد ريعي مصدره النفط وتعاني من أزمات اقتصادية متتالية وعجز في الموازنة منذ سنوات، فإن خفض أسعار النفط سيؤثر بشكل كبير ومباشر على الوضع الاقتصادي في ليبيا نظرًا لاعتماد الاقتصاد الليبي بشكل كبير على عائدات النفط كمصدر رئيسي للإيرادات العامة.”

وقد أوضح أن التأثيرات المحتملة تشمل انخفاض الإيرادات الحكومية، وزيادة عجز الموازنة، وتراجع الاحتياطيات من النقد الأجنبي مما قد يضغط على سعر صرف الدينار الليبي، إلى جانب تأثيرات اجتماعية تشمل البطالة وركود المشاريع التنموية.

واليوم، ومع الانخفاض الحاد الذي سجلته أسعار النفط في أبريل، نجد أنفسنا أمام ترجمة فعلية لهذا التوقع. فقد هبط خام برنت إلى ما دون 66 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ سنوات، متأثراً بالتوترات التجارية العالمية وزيادة المعروض من قبل تحالف “أوبك+”.

إن ما يمر به الاقتصاد الليبي الآن ليس مفاجئاً، بل هو نتيجة منطقية لتراكم السياسات الريعية والاعتماد المفرط على مصدر وحيد للدخل، دون تنويع حقيقي في قاعدة الإنتاج. وفي ظل هذه الضغوط، لم يعد من الممكن تأجيل الإصلاحات.

من أبرز الحلول التي اقترحها “اشنيبيش” حينها: تنويع الاقتصاد، تقليص الإنفاق العام، دعم القطاع الخاص، التوجه للطاقة المتجددة، تعزيز الشفافية، وتحسين إدارة النقد الأجنبي، وهي حلول لا تزال قابلة للتطبيق إذا وُجدت الإرادة السياسية والوعي المجتمعي.

وفي النهاية، فإن انخفاض أسعار النفط ليس مجرد أزمة طارئة، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة الاقتصاد الليبي على التحول من التبعية إلى الاستقلالية، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج.

“الشحومي” يكتب: استخدام الدولار كسلاح وفرض التعرفات الجمركية وتأثيرها على مستقبل الهيمنة الأمريكية

كتب كتب الخبير الاستثماري ومدير صندوق رأسمال في المملكة المتحدة “منذر الشحومي” مقالاً بعنوان: استخدام الدولار كسلاح وفرض التعرفات الجمركية وتأثيرها على مستقبل الهيمنة الأمريكية

على مدى عقود، شكلت الولايات المتحدة حجر الزاوية للنظام الاقتصادي العالمي مستفيدةً من هيمنة الدولار الأمريكي ومن ريادتها للنظام التجاري متعدد الأطراف. غير أنها في السنوات الأخيرة بدأت تسخّر قوتها الاقتصادية كسلاح جيوسياسي بطرق غير مسبوقة – بدءًا من تجميد احتياطيات الخصوم من النقد الأجنبي وصولًا إلى فرض رسوم جمركية عقابية على شركاء تجاريين وأعداء على حد سواء ، لقد أبرزت هذه التحركات مدى النفوذ الأمريكي، لكنها في الوقت ذاته أثارت تساؤلات جدية حول انعكاساتها طويلة المدى. فهل يمكن أن يؤدي استخدام الدولار كسلاح، إلى جانب النزعة المتزايدة نحو فرض التعرفات الجمركية, إلى تقويض أسس الهيمنة الأمريكية العالمية التي أرستها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية؟

استخدام الدولار كسلاح

يعد الدولار الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العملة المهيمنة عالمياً في التجارة والتمويل. فهو يمثل اليوم حوالي 60% من احتياطيات النقد الأجنبي المعلنة لدى المصارف المركزية حول العالم، رغم أن الاقتصاد الأمريكي لا يشكل إلا نحو ربع الناتج العالمي . كما يدخل الدولار في قرابة 90% من معاملات الصرف الأجنبي الدولية ، ما يعني أن معظم الدول والشركات تعتمد عليه كوسيط موثوق للتجارة والتمويل. هذه المكانة الفريدة منحت الولايات المتحدة ما يسميه الاقتصاديون «الامتياز الباهظ» – أي قدرة على الاقتراض والإنفاق دوليًا بعملتها الخاصة دون مخاطر كبيرة – فضلًا عن نفوذ سياسي واقتصادي هائل نابع من قدرة واشنطن على الوصول إلى النظام المالي العالمي.

مع ذلك، بدأت الولايات المتحدة في توظيف هذه القوة المالية كسلاح ضغط لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. تجلى ذلك بشكل صارخ في تجميدها للأصول الاحتياطية الروسية بالخارج عام 2022 – وهو أجرأ استخدام لسلاح الدولار حتى اليوم ، فقد تم حظر وصول موسكو إلى نحو 300 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية ردًا على حربها في أوكرانيا، إلى جانب إجراءات مماثلة (إن كانت أصغر حجمًا) استهدفت في السابق مصارف إيران وليبيا وفنزويلا وأفغانستان ، من منظور واشنطن، تُعتبر هذه العقوبات المالية أداة قوية لمعاقبة من تصنفهم خصومًا وردع مَن يخالف مصالحها ، لكن من منظور الدول الأخرى، يبعث هذا التوجه رسالة مثيرة للقلق: إذا كان بمقدور أمريكا شلّ الوصول إلى الدولار والنظام المالي لأي دولة تعارضها، فهل من الأمان الاستمرار في الاعتماد المطلق على العملة الأمريكية؟

لقد أدى هذا التساؤل إلى تسريع النقاش حول الحد من الاعتماد على الدولار أو ما يُعرف بـ«إزالة الدولرة». فبعد تجميد الاحتياطيات الروسية، أدركت حتى بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة أنها قد تجد نفسها معرضة للخطر يومًا ما إن تباينت سياساتها مع واشنطن . ونتيجة لذلك، بدأت عدة أطراف دولية البحث عن بدائل. فعلى سبيل المثال، عملت الصين وروسيا على زيادة التعامل بعملاتهما الوطنية؛ وبحلول منتصف عام 2024 ارتفعت نسبة تجارة الصين الخارجية المسعرة بعملة الرنمينبي (اليوان) إلى حوالي 27%، مقارنةً بـ17% فقط في أوائل عام 2022 ، ويُعزى جزء كبير من هذه القفزة إلى تسوية الصين وحليفها الروسي لتجارتهما البينية بالعملة الصينية بدلًا من الدولار ، كذلك دفع القلق الأوروبي من الهيمنة الأمريكية على أنظمة الدفع إلى التفكير في بدائل محلية: فقد نبه البنك المركزي الأوروبي إلى خطر «الضغط والإكراه الاقتصادي» الذي تواجهه أوروبا نتيجة سيطرة شبكات البطاقات الأمريكية (فيزا وماستركارد مثلًا) على المدفوعات، ما حفز مبادرة لإطلاق اليورو الرقمي لتعزيز الاستقلالية المالية للقارة ، ومع أن مشروع العملة الرقمية الأوروبية لا يزال متعثرًا وفي حاجة لسنوات قبل التنفيذ ، فإن مجرد طرحه يعكس رغبة متنامية في إيجاد شبكات مالية أقل خضوعًا للولايات المتحدة.

رغم هذه الجهود، لا تزال البدائل الواقعية للدولار محدودة في الأجل القريب، فحتى الآن، لم تستطع أي عملة أخرى الاقتراب من مكانة الدولار العالمية؛ فعلى سبيل المثال، لا تمثل عملة الصين سوى حوالي 2% من احتياطيات العالم من النقد الأجنبي ، كما أن معظم الاقتصادات الكبرى – بما فيها حلفاء أمريكا كاليابان وأوروبا – شاركت واشنطن في أحدث جولات العقوبات (مثل العقوبات المفروضة على روسيا) ، مما يعني أن الانتقال إلى عملات تلك الدول لا يوفر حماية تامة من سلاح العقوبات الغربي، أضف إلى ذلك ما يعرف بتأثيرات الشبكة: فكلما ازداد استخدام الدولار، ازدادت كلفة التخلي عنه وصعوبة بناء شبكة عالمية بديلة ، لذا يشدد محللو المؤسسات المالية على أن أي تراجع جوهري في هيمنة الدولار سيستغرق وقتًا طويلًا؛ إذ رغم تزايد الدعوات لتنويع الاحتياطيات بعيدًا عن العملة الأمريكية، تظل الأسس الداعمة للدولار متجذرة بعمق في هيكل الاقتصاد العالمي وبنيته المالية ، بعبارة أخرى، قد يكون سلاح الدولار سلاحًا ذو حدين بالنسبة لأمريكا: فرغم خطر دفع الآخرين تدريجيًا نحو الالتفاف عليه، فإن موقع الدولار الراسخ يمنح واشنطن هامش مناورة واسع قد يستمر لعقود.

سلاح التعرفات الجمركية

إلى جانب نفوذها المالي، تمتلك الولايات المتحدة ثقلاً تجاريًا كبيرًا استخدمته مؤخراً بفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. فقد خرجت واشنطن عن نهجها التقليدي المؤيد للتجارة الحرة وقامت في أواخر العقد الماضي بفرض رسوم جمركية أحادية الجانب على العديد من الدول والشركاء التجاريين، وكانت أبرز مثال على ذلك الحرب التجارية مع الصين التي انطلقت في 2018؛ حيث فرضت الإدارة الأمريكية حينها رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات صينية بحوالي 250 مليار دولار، ثم رفعت النسبة أو نطاقها لتغطي بضائع إضافية بقيمة 300 مليار دولار تقريبًا ، وردت الصين بإجراءات انتقامية شملت فرض تعرفات على الواردات الأمريكية إلى أسواقها. ومع تصاعد ما أصبح أكبر نزاع تجاري منذ عقود، تزعزعت سلاسل الإمداد العالمية واهتزت الأسواق المالية نتيجة حالة عدم اليقين والتكاليف الإضافية التي فرضتها التعرفات على الشركات والمستهلكين.

لم تقتصر سياسة الرسوم المشددة على الخصوم الإستراتيجيين كالصين. فقد شملت أيضًا حلفاء تقليديين: مثل فرض واشنطن رسومًا على واردات الصلب والألومنيوم القادمة من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، مبررة ذلك بدواعٍ أمنية وتجارية. وأثار هذا النهج أحادي الجانب استياء الحلفاء الذين رأوا فيه تقويضًا لقواعد النظام التجاري متعدد الأطراف الذي كانت الولايات المتحدة نفسها مهندسه لعقود، وقد فكرت دول أوروبية في الرد بالمثل عبر فرض رسوم على المنتجات الأمريكية، بل درست خيارات أكثر جذرية كفرض قيود على عمل البنوك الأمريكية في أوروبا . لكن مثل هذه الخطوات التصعيدية لم تدخل حيز التنفيذ نظرًا للنفوذ الكبير لوول ستريت عالميًا ومخاوف الأوروبيين من الإضرار بأنفسهم أيضًا برد فعل معاكس على مصالحهم الاقتصادية ، ومع ذلك، فإن مجرد اضطرار الحلفاء لبحث إجراءات دفاعية كهذه يشير إلى حجم الشرخ الذي أحدثته سياسة التعرفات في الثقة المتبادلة بين أمريكا وشركائها.

من وجهة النظر الأمريكية الداخلية، يجادل مؤيدو التعرفات أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الوظائف والصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة ولمواجهة ممارسات تجارية تعتبرها واشنطن مشوهة للسوق (مثل سرقة الملكية الفكرية أو الإغراق السعري). كما يرى البعض أنها ورقة ضغط تفاوضية تدفع الخصوم إلى تقديم تنازلات، بيد أن معظم الاقتصاديين يشككون في جدوى سياسة الرسوم لتحقيق الأهداف المعلنة، فالعجز التجاري الأمريكي الإجمالي لم ينكمش بشكل مستدام نتيجة هذه التعرفات، إذ يعود تحديد حجم العجز إلى عوامل هيكلية في الاقتصاد الأمريكي (كفوارق الادخار والاستثمار) أكثر من كونه نتيجة لتعريفات جمركية هنا أو هناك. وقد حذر خبراء من أن الحواجز التجارية قد تأتي بنتائج عكسية؛ فإذا لم تنجح الرسوم في خفض العجز التجاري – وهو السيناريو الذي يعتبره كثير من الاقتصاديين مرجحًا – فإنها ستضر بالاقتصاد الأمريكي دون أن تحقق الغاية ، بالفعل، شهدت الولايات المتحدة بعد فرض تلك الرسوم ارتفاعاً في تكاليف الواردات بالنسبة للمستهلك الأمريكي العادي، مما يعادل ضريبة خفية على الإنفاق الاستهلاكي. كما اضطرت شركات أمريكية تعتمد على مكونات مستوردة إلى رفع الأسعار أو تحمل هوامش ربحية أقل.

علاوة على ذلك، هناك تبعات جيوسياسية طويلة المدى لنهج التعرفات القائم على المواجهة. فقد يؤدي الاستخدام المفرط للأدوات الحمائية إلى إضعاف الدور القيادي الأمريكي في صياغة قواعد التجارة العالمية. فعندما تتجاوز الولايات المتحدة مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية (WTO) وتفرض إجراءات أحادية، فإن دولًا أخرى قد تفقد الثقة بفاعلية النظام التجاري الدولي القائم وتبحث عن ترتيبات بديلة، وهذا برز فعليًا مع إقدام دول على إبرام اتفاقيات تجارة إقليمية ضخمة من دون الولايات المتحدة، مثل الاتفاقية الشاملة للتجارة عبر المحيط الهادئ (CPTPP) التي مضت قدمًا من دون مشاركة واشنطن، إن تراجع النفوذ الأمريكي في وضع أجندة التجارة العالمية يوازيه صعود نسبي لدول أخرى مستعدة لملء الفراغ وقيادة دفة العولمة الاقتصادية وفق مصالحها الخاصة.

التداعيات على مستقبل الهيمنة الأمريكية

تشكل التحركات الأمريكية الأخيرة مزيجًا من إبراز القوة والمقامرة الإستراتيجية بمكتسبات الهيمنة. فمن ناحية، أكدت واشنطن مجددًا حجم نفوذها: إذ أظهرت للعالم أنه بوسعها ليّ ذراع اقتصاد حتى دولة كبرى عبر حرمانها من الدولار والأسواق الأمريكية، ومن ناحية أخرى، أثارت هذه السياسات شبح فقدان الثقة العالمية في القيادة الأمريكية، ذلك أن نظام الهيمنة الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية بني ليس بالقوة الصلبة وحدها، بل أيضًا على شبكات تحالفات واسعة وعلى قبول الدول الأخرى – بما فيها الحليفة – للدور الأمريكي بوصفه ضامنًا للنظام الاقتصادي العالمي المفتوح. فإذا بدأ هؤلاء اللاعبون يرون في الولايات المتحدة طرفًا مستعدًا لاستخدام قواعد النظام ضدهم عند الخلاف، فسيكون من الطبيعي أن يسعوا لتقليل تعرضهم لهذه الهيمنة المالية والتجارية.

على المدى القريب، ربما لن يترجم هذا الاستياء إلى انقلاب فوري على عرش الدولار أو انهيارٍ لتحالفات التجارة القائمة، فما زالت الولايات المتحدة تتمتع بموقع فريد لا ينازعها فيه أحد حاليًا: اقتصادها هو الأكبر والأكثر ابتكارًا، وأسواقها المالية عميقة وسيولتها عالية، وعملتها لا تزال الملاذ الآمن الأول عالميًا في أوقات الأزمات. وليس هناك حتى اللحظة منافس مكافئ يستطيع توفير نفس درجة الثقة والسيولة – فلا اليورو الأوروبي تمكن من تعويض الفجوة بسبب تحدياته الخاصة بين دول الاتحاد، ولا اليوان الصيني مرشح حقيقي في ظل القيود المفروضة على تحويله بحرية وسياق النظام السياسي الصيني ، لذلك من غير المرجح أن تنهار الهيمنة الأمريكية دفعةً واحدة نتيجة هذه السياسات بيد أن الخطر الحقيقي يكمُن في التآكل التدريجي، فاستعداء الخصوم وحتى الشركاء الاقتصاديين عبر سلاح الدولار والتعرفات قد يخلق حافزًا مشتركًا لدى العديد من الدول للعمل على المدى الطويل لبناء نظام أقل مركزية. ومع مرور الوقت، قد نشهد تسارع جهود إنشاء بنية مالية موازية – كتكثيف استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية وإنشاء أنظمة مدفوعات دولية بديلة – بشكل يُقلم أظافر النفوذ الأمريكي، ولن يكون مستغربًا أيضًا أن تؤدي سياسات التعرفات إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية بعيدًا عن السوق الأمريكية تجنبًا للمخاطر، مما قد يقلل من الاعتماد المتبادل الذي طالما شكل مصدر قوة لأمريكا (حيث يستفيد الشركاء من السوق الأمريكية الواسعة مقابل بقائهم في فلك النظام الذي تقوده واشنطن).

يبدو أن الولايات المتحدة تواجه معضلة استراتيجية: فبينما توفر لها هيمنة الدولار وقوة سوقها التجارية أدوات فعالة لفرض إرادتها حاليًا، فإن الإفراط في استخدام هذه الأدوات قد يقوض الركائز التي تستند إليها هذه الهيمنة ذاتها على المدى الأبعد. وكما حذر أحد الخبراء، فإن الإمعان في هذه السياسات بدافع الإحباط قد يدفع صناع القرار الأمريكيين إلى تبني «أفكار جامحة» تخرج عن منطق الاقتصاد السليم – الأمر الذي من شأنه تسريع تراجع النفوذ بدلاً من دعم استمراره. الهيمنة الأمريكية تاريخيًا لم تكن مجرد نتاج القوة بل أيضًا نتاج القبول والقيادة المسؤولة؛ فإن انحرفت نحو فرض الهيمنة بالقسر الاقتصادي، فقد تفتح الباب أمام عالم أكثر تكتلًا وانقسامًا، تتوزع فيه مراكز النفوذ بشكل أوسع، وعلى الرغم من أن الدولار والنظام الأمريكي سيظلان في القمة في المدى المنظور، إلا أن الثمن الباهظ لاستخدامهما كسلاح قد يكون التأسيس البطيء لنهاية التفرد الأمريكي وولادة نظام عالمي أشد تعددية.

خاص.. مشيراً إلى استكشاف فرص ممارسة الأعمال التجارية في ليبيا.. مصدر بالاجتماع الأمريكي الليبي يفصح لصدى عن كافة تفاصيله

كشف مصدر بداخل أروقة الاجتماع الأمريكي الليبي لصدى الاقتصادية عن تفاصيل الطاولة المستديرة للمسؤولين التنفيذيين الأمريكيين والليبيين بالقول أن الحضور شخصيات سياسية ليبية وأمريكية إلا أن الاجتماع دوري سنوي يعقد بدعوة من قبل المجلس الوطني للعلاقات الأمريكي الليبي NCUSLR وغرفة التجارة الأمريكية.

وتابع أن المواضيع شؤون عامة وآراء عامة وتبادل أفكار ، ولا علاقة للاجتماع بأمور الدولة ولا بالسلطات التشريعية والتنفيذية الليبية ، وأن جميع المدعوين لا يمثلون إلا أنفسهم وشخوصهم وما يطرحونه افكارهم الشخصية والخاصة .

وأفاد بالقول أن موضوع الحوار استكشاف فرص ممارسة الأعمال التجارية في ليبيا وتعزيز قطاع الصحة في ليبيا.

عن مستقبل الدينار الليبي..”الجهيمي”: لا تخدعكم الإيرادات ولا تطمئنو كثيراً للاحتياطيات.. وهذه الحلول

كتب وزير التخطيط السابق “الطاهر الجهيمي” عبر صفحته الرسمية على الفيس بوك: ما هو مستقبل قيمة الدينار الليبي نسبة إلى الدولار ؟

هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثير من الليبيين هذه الأيام ، بعضهم يطرح السؤال بلهفة ، والكل يتساءل يا ترى هل ستشهد الأسابيع والأشهر القادمة انخفاضاً في القيمة النسبية للدينار ؟ وهم عند طرحهم لهذا السؤال الكبير يطلبون جواباً في كلمة واحدة : نعم أو لا ، طبعاً بعد نعم أو لا لديهم أسئلة أخرى .

الاقتصاديون عادةً لا يعطون جواباً واضحاً أو قاطعاً لأنهم تأثروا بدراستهم لنظرية الإحتمالات إلّا بعد دراسات معمّقة ، لذلك فى هذا المنشور لا توجد نعم أو لا ، وإنما توجد : هذا أكثر إحتمالاً من ذاك، خاصةً إذا كنا نتكلم عن المدى المتوسط أو المدى الطويل ، ولكن باختصار شديد ، يمكن القول بأنه إذا استمرّت الظروف و الإتجاهات السائدة اليوم فإن مستقبل قيمة الدينار غير مطمئن .

لا تلوموا المصرف المركزي على ما أنتم فيه ، فالمصرف المركزي ما هو إلا يد واحدة واليد الواحدة لا تصفّق ، بل لوموا من يضعكم فى هذا الواقع السياسي و الاقتصادي غير المطمئن .

لا تدعوا ايرادات النفط تخدعكم وأنها ستأتي لنجدتكم، فهي أصبحت تكاد تكون عامل محايد ، كيف ذلك ؟ هذه الإيرادات لن ترتفع كثيراً إذا ارتفعت ولن تنخفض كثيراً إذا انخفضت ،هذا على الأقل فى المستقبل المنظور، لماذا ؟ لأن ملوك النفط ( السعودية وأمريكا )ملتزمون بسياسة ” استقرار سوق النفط “، ليس من مصلحة السعودية أن ترتفع أسعار النفط كثيراً لأسباب سياسية ، وليس من مصلحة أمريكا أن يحدث هذا لأسباب اقتصادية ( انتقال الثروة إلى الخارج ) .

وبالمثل ليس من مصلحة السعودية أن تنخفض أسعار النفط كثيرا لأسباب تتعلّق بالميزانية ، كذلك ليس من مصلحة أمريكا أن يحدث هذا لأن فيه إضرار بمصالح الشركات الأمريكية النافذة ( قالها كيسنجر منذ أوائل السبعينيات )، ولا تطمئنوا كثيرا إلى احتياطيات المصرف المركزي وهي وفيرة؛ فهي مهما كبُرت يمكن أن تتناقص بسرعة .

الحل الذي أراه هو الإصلاح الاقتصادي الكامل والشامل، إصلاح تشترك في تنفيذه كل أدوات ومؤسسات الدولة وخاصةً المؤسسات الاقتصادية والمالية ، هنا لابد من ملاحظتين:
الأولى هي أن إهمال المشكلة أو تأجيل العمل على معالجتها لن يزيد المشكلة إلا سوءاً ويجعلها أصعب حلاً .
والثانية هي أن النتائج الإيجابية للإصلاح الاقتصادي لا تأتي بسرعة وإنما تأخذ وقتاً بحسب ما يحيط بها من ظروف .
هل أنا متفائل ؟
لا ، أنا متشائل ، عندي شيئ من التشائم وعندي شيئ من التفائل ، لماذا ؟ لأن الإصلاح الإقتصادي عمل جراحي ومؤلم ، خاصةً للفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة ، لذلك لا تقدر عليه إلا الحكومات القوّية المستقرّة التي تملك صلاحيات دعنا نقول واقعياً شبه دكتاتورية ، لنرى ..

خاص.. شريحة لصدى: التصريحات حيال الاستراتيجية التي تتبعها مؤسسة النفط لإدارة المحروقات بيع للوهم وتلاعب في أرقام

قال المحلل في الشؤون النفطية “مسعود شريحة” والذي حكمت محكمة لصالحة في القضية المرفوعة ضد فرحات بن قدارة بخصوص الجنسية الاماراتية والنقل التعسفي رداً على التقرير الصادر من مصدر مسؤول من المؤسسة حول إستراتجية التي تتبعها المؤسسة لإدارة إحتياجات الدولة من المحروقات وأنها تساهم في تحقيق توازن ، ما هو إلا بيع وهم فقط وتلاعب في أرقام .

وقال: فبينما تعلق المؤسسة بأن هناك استقرار في استهلاك الديزل في حين هنالك زيادة في استهلاك الغاز والذي من المفترض أي زيادة استهلاك الغاز يقابله انخفاض في استهلاك الديزل وفق كمية استهلاك للمحطات المتوفر لدينا .

كما أن تقرير المعني غير مطابق مع تقارير الصادرة من الجهات الدولية وأخرى من قطاع النفط نفسها توضح إنخفاض استهلاك الديزل لقطاع الكهرباء مقابل القطاعات الأخرى والذي يعزي إلى شركة كهرباء قامت برفع قيمة تعريفة الكهرباء على الجهات التجارية نجم عنها لجوء تلك الجهات إلى مولدات لتوليد الكهرباء وهو مخالف لمبدأ الترشيد التي تسعي إليها الدولة الليبية وهذه ليست استراتيجية بل تحايل على الجهات الرقابية وأن كميات استهلاك الديزل عالية جداً وأن عملية اهدار المحروقات في بعض المناطق واضح ومبالغ فيه وأكثر من إحتياجاتها وهذا رد أيضا على مصدر مؤسسة بأن اعتدال المناخ ساهم في تقليل الاحتياجات هدا الحدث فقط في الوضع الطبيعي وليس في ليبيا .

وطالب شريحة بدل عرض أرقام مبهمة و غير واقعية بالأرقام واقعية وأكثر شفافية على سبيل المثال لا الحصر الكميات التي يتم توريدها لكل الميناء واحتياجات كل قطاع على حدا ليوضح لنا أوجه الكميات الحقيقية التي يتم صرفها .

واستغرب شريحة من عدم ورود الإيرادات بالكامل إلى مصرف المركزي عن بيع المحروقات محلياً في عام 2024 التي من المفترض أن يستلم المركزي من بيع المحروقات على أساس السعر المدعوم مبلغ وقدره 2.8مليار دينار ليبي ، في حين استلم وفق إفصاح المصرف فقط 154مليون دينار ليبي.

وأكد شريحة بأنه حاول تواصل مع الديوان والنائب العام لوضع الحل الجدري للمشاكل وأن هنالك حل جدري لكل مشكلة ، ولكن لم يتحصل على الرد منهم، وتأسف شريحة علي عدم حصوله على الرد من الجهات تخدم المصلحة العامة في حين نجدها تجتمع مع المجتمعات المدنية التي لا تغني ولا تسمن من الجوع ولا تصون المال العام وفق قوله ووصفه

وأضاف بأن هناك تهميش وجهوية وقبلية مستمرة وعلنية من قبل مسؤولين في المؤسسة تسبب في اهدار مئات الملايين الدولارات، والدليل على ذلك النقل التعسفي الذي سبب به فرحات بن قدارة ومن شيعه من مدارء التسويق بشهادة فرحات بن قدارة نفسه أثناء محاولته لتسوية القضية .

من ضمنها ليبيا .. الولايات المتحدة تبحث عن دول أخرى لاستقبال المهاجرين


كشف تقرير لموقع وول ستريت جورنال نقلاً عن عدة مسؤولين أن إدارة ترامب تسعى إلى إبرام اتفاقيات مع عدة دول أخرى لاستقبال المهاجرين المطرودين من الولايات المتحدة، وفقًا لمسؤولين مطلعين على القضية.

ويسعى المسؤولون عن الهجرة إلى العثور على المزيد من الوجهات التي يمكن إرسال المهاجرين إليها الذين ترغب الولايات المتحدة في ترحيلهم، ولكن دولهم بطيئة في استعادة هؤلاء المهاجرين أو ترفض استلامهم، النموذج الذي يرغبون في اعتماده يعتمد على اتفاق سابق أبرمته الإدارة مع بنما في فبراير، حيث أرسلوا طائرة تحمل أكثر من 100 مهاجر، معظمهم من الشرق الأوسط، إلى الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى. ثم قامت بنما باحتجاز هؤلاء المهاجرين وعملت على إرسالهم إلى دولهم الأصلية.

وقال الموقع: المسؤولون في محادثات مع دول في أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا، ولكنهم ليسوا بالضرورة في صدد توقيع اتفاقيات رسمية، وفقًا لما ذكره المعنيون.
ما يحدث بعد ذلك للمهاجرين المطرودين يعتمد على الدولة المستضيفة المحددة. الولايات المتحدة لا تهتم، على سبيل المثال، بما إذا كان الشخص سيُسمح له بطلب اللجوء أو سيتم ترحيله إلى بلده الأصلي، حسبما ذكر المعنيون، ومن بين الدول التي طلبت الولايات المتحدة منها استضافة المطرودين هي ليبيا ورواندا وبنين وإسواتيني ومولدوفا ومنغوليا وكوسوفو.

كما تأمل الولايات المتحدة أن توافق هذه الدول على طلبات الإدارة، ربما مقابل ترتيبات مالية أو الفائدة السياسية من مساعدة الرئيس ترامب في تحقيق أحد أولوياته الداخلية.

وتسعى الإدارة إلى توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع بعض الدول في أمريكا اللاتينية لتحديدها كأماكن آمنة للمهاجرين الذين يرغبون في طلب اللجوء بدلاً من الولايات المتحدة، كمل المسؤولون قريبون من إنهاء مثل هذا الاتفاق مع هندوراس وهم في مفاوضات مع كوستاريكا، وفقًا لشخص مطلع على القضية.

ولم ترد السفارات الخاصة بهذه الدول على الفور على طلبات التعليق.

في بيان، لم يعلق متحدث باسم وزارة الخارجية على المحادثات الدبلوماسية الخاصة، لكنه قال: “إن تنفيذ قوانين الهجرة في بلدنا أمر بالغ الأهمية لأمننا القومي وسلامتنا العامة في الولايات المتحدة، بما في ذلك ضمان تنفيذ أوامر الإزالة النهائية بنجاح”.

وأضاف أن الوزارة تعمل عن كثب مع وزارة الأمن الداخلي “لتنفيذ سياسات الهجرة الخاصة بإدارة ترامب” لم ترد كل من البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي على طلبات التعليق.

تجري المفاوضات في وقت يشعر فيه ترامب بالإحباط بسبب سرعة رحلات الترحيل من الولايات المتحدة. حملته الانتخابية كانت تركز على إطلاق “أكبر عملية ترحيل في تاريخ بلادنا”، كما واجهت جهوده تحديات قانونية، وبعض الدول بما في ذلك فنزويلا قاومت أو تأخرت في قبول رحلات الترحيل.

ستيفن ميلر، المتشدد في قضايا الهجرة ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض للسياسة، يقود الجهود للعثور على دول مستعدة لقبول المواطنين الذين لا هم من الولايات المتحدة ولا من البلد الذي يتم ترحيلهم إليه، وقد طلب مجلس الأمن الداخلي التابع للبيت الأبيض الذي يقوده ميلر من مسؤولي وزارة الخارجية، من بين آخرين، متابعة المفاوضات حتى يتوفر للولايات المتحدة المزيد من الأماكن لإرسال المهاجرين الذين دخلوا أمريكا بشكل غير قانوني.

قال المسؤولون الأمريكيون إن هناك ضغوطًا من القيادة العليا لترحيل المزيد من المهاجرين غير الشرعيين في أمريكا، كما أن العديد من الدول التي يجري النظر فيها لإبرام اتفاقيات الترحيل هي دول أثار فيها الحكومة الأمريكية قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك سوء معاملة المعتقلين والمهاجرين، مثل ليبيا ورواندا.

خاص.. مصدر مسؤول بالمؤسسة الوطنية للنفط يوضح حقيقة ما يُتداول بشأن زيادة الاستهلاك المحلي

صرّح مصدر مسؤول في المؤسسة الوطنية للنفط لصدى الاقتصادية بأن ما يتم تداوله بشأن زيادة غير مبررة في استهلاك الطاقة يحتاج إلى توضيح سياقي مرتبط بعوامل موسمية معروفة. وأكد المصدر أن هناك ما يُعرف بفترة الذروة الشتوية، والتي تقع عادة في شهري يناير وفبراير، وتشهد خلالها معدلات استهلاك الطاقة ارتفاعًا طبيعيًا نتيجة لانخفاض درجات الحرارة وزيادة الطلب على التدفئة.

وأضاف المصدر أن شهور أكتوبر ونوفمبر وحتى منتصف ديسمبر تُعد من الفترات ذات المناخ المعتدل نسبيًا، مما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في معدلات استهلاك الطاقة مقارنةً بالأشهر الباردة.

كما أشار إلى أن البيانات المتوفرة لدى المؤسسة تُظهر زيادة في استهلاك المنتج المحلي مقارنة بالمستورد خلال هذه الفترة، وهو ما يعكس اعتمادًا أكبر على المصادر الوطنية لتلبية الطلب المتزايد، خاصة خلال مواسم الذروة.

وأكد المصدر في ختام تصريحه أن المؤسسة تتابع مستويات الإنتاج والاستهلاك بشكل مستمر، وتتخذ ما يلزم من إجراءات لضمان التوازن بين العرض والطلب، بما يحفظ استقرار السوق المحلي ويفي باحتياجات المواطنين.

مع زيادة التهريب.. تحليل استهلاك الوقود والغاز في ليبيا قبل وبعد تعيين مسعود سليمان رئيسًا لمؤسسة النفط وفقاً لحساباتها

أظهرت بيانات منشورة عبر حسابات مؤسسة النفط تحليل استهلاك الوقود والغاز في ليبيا قبل وبعد تعيين مسعود سليمان رئيسًا للمؤسسة الوطنية للنفط بحسب مصادر تحليلية خاصة ودقيقة .

الفترات الزمنية للمقارنة

– **قبل التعيين:** 50 يومًا من **1 أكتوبر 2024 إلى 19 نوفمبر 2024**

– **بعد التعيين:** 50 يومًا من **16 يناير 2025 إلى 6 مارس 2025**

المقدمة

في 16 يناير 2025، تم تعيين مسعود سليمان رئيسًا للمؤسسة الوطنية للنفط. أثار هذا التعيين تساؤلات حول التغييرات المحتملة في سياسات إدارة الوقود واستراتيجيات التوريد في ليبيا. يهدف هذا التقرير إلى تحليل التغيرات في استهلاك الوقود والغاز الطبيعي في مختلف القطاعات خلال 50 يومًا قبل وبعد التعيين، مع التركيز على استهلاك الغاز الطبيعي والنفط الخام والديزل والزيت الثقيل، لتقييم أثر الإدارة الجديدة.

مقارنة استهلاك الوقود والغاز قبل وبعد تغيير الإدارة

الجهةالمنتج50 يومًا قبل التعيين50 يومًا بعد التعيينالتغير (%)
GECOLNatural Gas (Million Cubic Feet)41,038.3545,816.95+11.64%
GECOLCrude Oil (Barrels)673,058.25907,653.39+34.86%
GECOLDiesel (Metric Tons)343,875.88337,605.08-1.82%
GECOLHeavy Fuel Oil (Metric Tons)11,245.9078,264.41+595.94%
NOCNatural Gas (Million Cubic Feet)5,753.226,883.90+19.65%

تحليل التغيرات في الاستهلاك

أولًا: ارتفاع استهلاك الغاز الطبيعي**

زاد استهلاك الغاز الطبيعي في الشركة العامة للكهرباء بنسبة 11.64% بعد تعيين مسعود سليمان، مما يشير إلى زيادة توليد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي أو تشغيل محطات إضافية.

ارتفع استهلاك الغاز الطبيعي في المؤسسة الوطنية للنفط بنسبة 19.65%، ما قد يعكس نشاطًا تشغيليًا أكبر أو تغييرات في عمليات الإنتاج تعتمد على الغاز.

**ثانيًا: الزيادة الكبيرة في استهلاك النفط الخام**

زاد استهلاك النفط الخام في الشركة العامة للكهرباء بنسبة 34.86%، مما يشير إلى الاعتماد الأكبر عليه في توليد الطاقة، ربما بسبب تعديلات في التوريد أو قرارات تشغيلية.

**ثالثًا: استقرار استهلاك الديزل**

انخفض استهلاك الديزل بنسبة 1.82%، وهو تغيير طفيف قد يعكس التحول نحو الغاز الطبيعي أو تحسين كفاءة تشغيل المحطات التي تعمل بالديزل.

**رابعًا: الزيادة الضخمة في استهلاك الزيت الثقيل**

سجل استهلاك الزيت الثقيل أكبر زيادة على الإطلاق بنسبة 595.94%، مما يشير إلى تحول كبير في استخدامه كمصدر للطاقة في بعض المحطات.

خامسًا: تحليل استهلاك الزيت الثقيل شهريًا

الشهرمتوسط الاستهلاك اليومي (طن متري/اليوم)إجمالي الاستهلاك الشهري (طن متري)
October 2024407.7412,640
November 202436.001,080
January 20251,286.2639,874
February 20251,874.2152,478
March 2025 (Estimated)1,580.2448,987.32

الاستنتاجات النهائية

زاد استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة 11.64% بعد تغيير الإدارة، مما يعكس الاعتماد المتزايد عليه في توليد الكهرباء.

ارتفع استهلاك النفط الخام بنسبة 34.86%، مما قد يشير إلى تعديلات في الإمدادات أو تغييرات في استراتيجية تشغيل المحطات.

ظل استهلاك الديزل مستقرًا نسبيًا، مع انخفاض طفيف بنسبة 1.82%، مما قد يشير إلى تحول تدريجي نحو مصادر طاقة أخرى.

كان التغيير الأكثر دراماتيكية هو الزيادة الهائلة في استهلاك الزيت الثقيل بنسبة 595.94%، مما يدل على تحول تشغيلي كبير.

تشير هذه التغيرات إلى أن فترة إدارة مسعود سليمان للمؤسسة الوطنية للنفط قد شهدت تعديلات في استراتيجيات استهلاك الوقود عبر قطاعي الكهرباء والنفط، سواء نتيجة قرارات تشغيلية أو تغييرات في إمدادات الوقود.

أفريكا انتليجنس: مع قرب انهاء المبادلة مؤسسة النفط تواجه فترة خطرة.. ولا بدائل حتى الآن

كشف تقرير نشره موقع أفريكا انتليجنس أنه على الرغم من استمرار استيراد الوقود في مارس، لا تزال المؤسسة الوطنية للنفط غير قادرة على دفع هذه الفواتير، كما أن البنك المركزي الليبي قلق من انخفاض عائدات النفط الخام.

وأفاد التقرير أن مسعود سليمان، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية (NOC)، قام بمجازفة خطيرة في 1 مارس بإيقاف نظام المقايضة رسميًا، والذي كان يسمح بمبادلة النفط الخام بالوقود المستورد، والمؤسسة الوطنية للنفط لديها قدرة محدودة على تكرير النفط الخام محليًا.

هذا وتدخل المؤسسة فترة خطيرة من عدم اليقين بعد الإنهاء المفاجئ لنظام المقايضة، حيث لم يتم الاتفاق بعد على آلية تمويل بديلة.

كما جاء قرار سليمان بإنهاء هذا النظام استجابةً لحكم النائب العام الليبي الصديق الصور، الذي دعا إلى إنهائه في يناير، معتقدًا أنه يضر بمصلحة الدولة، تبع هذا القرار انتقادات من ديوان المحاسبة الليبي، الذي كشف أن نظام المقايضة أدى إلى تكاليف إضافية كبيرة على ميزانية المؤسسة الوطنية للنفط، بلغت حوالي 981 مليون دولار في عام 2023.

قبل إدخال نظام المقايضة في عام 2021، في عهد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، كانت الشركة تملك ميزانية لاستيراد الوقود، يديرها البنك المركزي الليبي تحت إشراف الحكومة، ولكن مع إلغاء نظام المقايضة، يضع سليمان الآن مسؤولية تأمين التمويل اللازم لاستيراد الوقود على عاتق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي يجب أن يوفر الأموال في أسرع وقت ممكن لتجنب أزمة اقتصادية.

في الوقت نفسه، يتعين على البنك المركزي الليبي اتخاذ قرار بشأن ميزانية الدولة، والتي قد يتم تقسيمها بين الحكومتين المتنافستين.

وبحسب التقرير: لم يتم الاتفاق بعد على أي تمويل، في تقريره الصادر في فبراير، لم يذكر البنك المركزي الليبي (LCB) أي ميزانية جديدة مخصصة لاستيراد الوقود، لكنه أوضح أن فاتورة استيراد الوقود تم دفعها منذ عام 2021 باستخدام “نظام المقايضة”.

وتابع: في الوقت الحالي، لم تتوقف عمليات التسليم، وبقيت إمدادات الوقود مستقرة في مارس. وبينما تنتظر المؤسسة الوطنية للنفط الميزانية اللازمة، مُنحت ثلاثة أشهر لدفع فواتيرها، وفقًا لمصادر نفطية، وعليها تسوية هذه الفواتير بحلول يونيو، وإلا فقد يحدث نقص في الوقود، مما سيؤثر على الشركة العامة للكهرباء في ليبيا (GECOL)، المسؤولة عن تزويد البنية التحتية بالكهرباء.

هذا شهدت مبيعات النفط الخام الليبي انخفاضًا في الأسابيع الأخيرة، وتسعى المؤسسة الوطنية للنفط، الحريصة على تجنب المخاطر، إلى تفسير هذا الانخفاض بأنه نتيجة تقلبات طبيعية في السوق، ومع ذلك، أصدر البنك المركزي الليبي بيانًا صحفيًا في 18 مارس أعرب فيه عن قلقه إزاء عدم الاستقرار المالي الحالي، والذي أدى إلى ضعف عائدات النفط وتأخير في تحصيلها.

وتمثل عائدات النفط المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في ليبيا، مما يمكن البنك المركزي من توفير النقد الأجنبي. ووفقًا لبياناته، فإن عائدات صادرات الهيدروكربونات خلال الفترة الممتدة بين يناير ومارس تراوحت بين 778 مليون دولار و1.7 مليار دولار، بينما بلغت مبيعات العملة الأجنبية 2.3 مليار دولار خلال نفس الفترة.

“شنيبيش” يكتب: شراهة الموسم وأمان الخدمات الإلكترونية: بين ازدهار المعاملات وضمان الحماية

كتب ““أنس شنيبيش ”: “شراهة الموسم وأمان الخدمات الإلكترونية: بين ازدهار المعاملات وضمان الحماية”

مع تزايد الاعتماد على الخدمات الإلكترونية في مختلف جوانب الحياة، أصبحت مسألة الأمان الرقمي أولوية قصوى. في المقابل، يبرز مفهوم “شراهة الموسم”، الذي يشير إلى فترات الذروة في استخدام هذه الخدمات، مثل العروض الموسمية، والأعياد ، والتخفيضات الكبرى، والمناسبات السنوية، حيث تزداد حركة المستخدمين، مما يشكل تحديات كبيرة للأمان السيبراني

والسؤال هنا مادور المصارف والشركات المزودة للخدمات والعملاء في تعزيز أمان الخدمات الإلكترونية و خصوصا في مواسم الذروة ؟

  1. دور المصارف في الأمان الإلكتروني

المصارف هي الجهة المسؤولة عن تأمين المعاملات المالية الرقمية، وحماية بيانات العملاء، ومنع عمليات الاحتيال. ويشمل دورها:
• تعزيز أنظمة الحماية: استخدام التشفير القوي، الجدران النارية، وأنظمة كشف الاحتيال لمراقبة العمليات المشبوهة.
• توفير المصادقة الثنائية (2FA): طلب رمز تحقق إضافي عند تسجيل الدخول أو إجراء عمليات الدفع.
• مراقبة المعاملات وكشف الاحتيال: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل العمليات المالية واكتشاف أي أنشطة غير طبيعية.
• إطلاق حملات توعوية: إرسال تنبيهات ورسائل تحذيرية حول أساليب الاحتيال الإلكتروني، مثل التصيد الاحتيالي والمواقع الوهمية.
• تقديم أدوات دفع آمنة: مثل البطاقات الافتراضية، وتقنية التوكن (Tokenization) التي تمنع سرقة بيانات البطاقة الأصلية.

  1. دور الشركات المزودة للخدمات الإلكترونية

تشمل الشركات المزودة للخدمات الإلكترونية المتاجر الإلكترونية، منصات الدفع، مزودي خدمات الإنترنت، وشركات التقنية المالية (Fintech). ويكمن دورها في:
• تطبيق بروتوكولات أمان قوية: مثل بروتوكول HTTPS، التشفير المتقدم (SSL/TLS)، وأنظمة كشف الاختراقات (IDS/IPS) لحماية بيانات المستخدمين.
• ضمان استقرار الأنظمة خلال فترات الذروة: من خلال تحسين أداء الخوادم، وتقنيات الحوسبة السحابية لتجنب الأعطال والثغرات الأمنية.
• إجراء فحوصات أمنية دورية: لاكتشاف وإصلاح الثغرات الأمنية في المواقع والتطبيقات.
• حماية بيانات العملاء: عبر سياسات مثل عدم تخزين بيانات الدفع الحساسة، وتشفير معلومات المستخدمين.
• تطوير أدوات تحقق إضافية: مثل أنظمة التعرف البيومتري (بصمة الإصبع أو الوجه) لتأمين عمليات الدفع الإلكتروني.

  1. دور العميل في حماية بياناته وأمواله

على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المصارف والشركات المزودة للخدمات، يبقى العميل الحلقة الأضعف إذا لم يتبع إجراءات الأمان اللازمة. وتشمل مسؤولياته:
• عدم مشاركة المعلومات الحساسة: مثل كلمات المرور، بيانات البطاقات البنكية، ورموز التحقق مع أي جهة غير رسمية.
• الشراء من مواقع موثوقة فقط: التأكد من وجود بروتوكول HTTPS، وسياسات حماية البيانات قبل إدخال معلومات الدفع.
• تفعيل المصادقة الثنائية (2FA) على الحسابات المالية والإلكترونية.
• تحديث كلمات المرور بانتظام: واستخدام كلمات مرور قوية غير مكررة عبر مختلف الحسابات.
• مراجعة المعاملات المصرفية باستمرار: والإبلاغ الفوري عن أي عملية غير معروفة.
• عدم النقر على روابط مشبوهة: التي تصل عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، حيث قد تكون محاولات تصيد احتيالي.

واخيراً فإنه يتطلب تحقيق أمان الخدمات الإلكترونية تعاونًا مشتركًا بين المصارف، الشركات المزودة للخدمات، والعملاء. فبينما تعمل المصارف على تأمين المعاملات المالية، تلتزم الشركات بتوفير بنية تحتية إلكترونية آمنة، ويبقى على العميل اتباع إجراءات الحماية الأساسية لضمان عدم الوقوع ضحية للاحتيال الإلكتروني. في النهاية، الأمان السيبراني مسؤولية مشتركة، وأي ضعف في أحد الأطراف يمكن أن يؤدي إلى مخاطر تهدد الجميع.

مصادر خاصة لصدى: الصراع على مصانع الأسمنت سببه توفر غنيمة تتعدى 3.5 مليار سنوياً للوسطاء والمجرمين والتجار والمضاربين على مستوى ليبيا

أمرت النيابة العامة بالقبض على مجموعة خارجة عن القانون متهمة بوضع ساتر ترابي أمام بوابة مصنع البرج للإسمنت وإيقاف تشغيله مما سبب بخسائر كبيرة لحقت بالشركة بسبب إيقاف عجلة الإنتاج.

وقالت مصادر خاصة لصدى أن الصراع بليبيا بمصانع الأسمنت ونتيحة إقفال المصانع والاضرابات ومذكرة قبض وإحضار النيابة العامة سببه توفر غنيمة فارق أسعار تتعدى غنيمة ال3.5 مليار دينار سنوياً للوسطاء والمجرمين والتجار والمضاربين على مستوى ليبيا ( تقدر غنيمة مصنع الاتحاد العربي مليار دينار سنوياً ).

المانع يكتب: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “تأثير سياسات ترامب وفرص التعاون مع ليبيا لتعافي الاقتصاد”

كتب المستشار مصطفى المانع مقالاً بعنوان: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “تأثير سياسات ترامب وفرص التعاون مع ليبيا لتعافي الاقتصاد”

مع بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2025، تصاعدت الأصوات التي تطالب بإعادة تقييم دور الولايات المتحدة في مؤسستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ وهما الركيزتان الأساسيتان في دعم الاستقرار المالي وتعزيز التنمية على الصعيد الدولي، باعتبار أن صندوق النقد الدولي IMF مؤسسة مالية تُعنى باستقرار الاقتصاد الكلي العالمي، عبر تقديم المشورة بشأن السياسات النقدية والمالية، ودعم استقرار أسعار الصرف، وتعزيز الانضباط المالي للدول الأعضاء, في حين يركز البنك الدولي WB على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل، بتمويل مشروعات البنية التحتية، وتعزيز الإنتاجية، وتحسين مناخ الاستثمار لدعم النمو المستدام.

“واقع الاقتصاد الدولي والوطني”

وتتنامى أهمية المؤسستين الدوليتين بالنسبة للدول النامية، ومنها ليبيا، التي تحتاج بشدة إلى الخبرة والدعم الفني لمواجهة تحدياتها الاقتصادية المتراكمة، وفي ظلّ أوضاع عالمية تتسم بتضخم عالٍ وتباطؤ في الاستثمارات الأجنبية، بات معه من الضروري بحث فرص التعافي الاقتصادي لليبيا وإمكانية الاستفادة من دور المؤسستين الدوليتين.

واذ يواجه الاقتصاد العالمي في عام 2025 حالة من الاستقرار “النسبي” مصحوباً بالتحديات الاقتصادية، فبعد تأثيرات الحرب في أوكرانيا وغزة وقبل كل ذلك جائحة كورونا ومشاكل سلاسل النقل، وما تبع كل ذلك من زيادة معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، عانت  الاقتصادات الناشئة من تباطؤ في معدلات النمو، إضافة إلى ذلك،انعكس ارتفاع معدلات الفائدة في البنوك المركزية الكبرى سلبيًا على تدفقات الاستثمارات الأجنبية، مما يعقد التوقعات الاقتصادية العالمية، ومع ذلك، تبقى الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين في حالة نمو نسبي، نتيجة للاستثمار في قطاعات مستدامة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى استفادتها من متانة اقتصاداتها من الاساس واحتكارها لبعض الأسواق والمنتجات، وأيضاً عوائد الهيمنة السياسية على دول العالم.

أما بالنسبة للاقتصاد الليبي، فبالرغم من التحديات التي يواجهها، فقد أظهرت المؤشرات تحسنًا ملحوظًا في معدلات النمو، اذ وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي لعام 2024، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الليبي نموًا بنسبة 7.8% بعد انكماش في عام 2022، وبالنسبة لعام 2025، لا توجد تقديرات دقيقة محددة، ولكن يُتوقع أن يستمر النمو في النطاق الإيجابي، مدفوعًا بتحسن إنتاج النفط وأسعار النفط العالمية.

ورغم ذلك، يبقى هذا النمو عرضة للتقلبات الناتجة عن تغييرات أسعار النفط العالمية، والتحديات السياسية والاقتصادية المحلية التي بدأت بوادرها تظهر في الانخفاض النسبي لقيمة الدينار الليبي أمام العملات الاجنبية.
 
“فرص لتعافي الاقتصاد الليبي”

ليبيا، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، تواجه تحديات اقتصادية هيكلية عميقة مثل ضعف التنوع الاقتصادي، إضافةً إلى تراكمات سوء الادارة في المالية العامة، والخلل القائم في النظام المصرفي، ومع ذلك هناك فرص حقيقية لتعافي الاقتصاد إذا تم تبني سياسات إصلاحية شاملة تعالج هذه المشكلات من جذورها، عبرتحسين إدارة الإيرادات النفطية، وتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية، وإجراء إصلاحات هيكلية في النظام المصرفي. وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة للتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وخاصةً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للاستفادة من خبراتهما الفنية وبرامجهما الداعمة في مسار تحقيق الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق تنمية مستدامة.

“الاستفادة من الدعم الفني والخبرات الدولية”

خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اخرها في أكتوبر 2024، وخلال لقاءاتنا مع رئيس صندوق النقد الدولي، السيدة كريستالينا جورجييفا، ورئيس البنك الدولي، السيد ديفيد مالباس وكبار مدراء المؤسستين، تم التأكيد على أهمية الدعم الفني الذي تقدمه المؤسستان لمساعدة ليبيا في تحقيق إصلاحات اقتصادية شاملة، وتحسين الحوكمة، وتطوير البنية التحتية الرقمية، من خلال التعاون مع مؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA)، لتعزيز جاذبية ليبيا أمام الاستثمارات الأجنبية وتنمية القطاعات غير النفطية وتوفير فرص العمل.

وفي اطار سعي السيد عبدالحميد الدبيبه رئيس حكومة الوحدة الوطنية للاستفادة من جهود الدعم الفني والاستشاري لهذه المؤسسات الدولية لتحسين واقع اقتصادنا، استقبل في فبراير 2025 وفدًا رفيع المستوى من البنك الدولي برئاسة نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السيد عثمان ديون، حيث تمت مناقشة سبل تعزيز التعاون بين ليبيا والبنك الدولي في مجالات اهمها التحول الرقمي، وزيادة الشفافية المالية ، و تعزيز بيئة الأعمال،وتحسين كفاءة المؤسسات العامة، وتصحيح هيكل الانفاق العام، وقد تكللت هذه الاجتماعات بالاتفاق على إعادة افتتاح مكتب البنك الدولي في ليبيا بعد سنوات من الإقفال، بما يعكس رغبة الطرفين في تعزيز التعاون ودعم مسار الإصلاح الاقتصادي الليبي.

ختاماً، لا تزال ليبيا تمتلك فرصًا حقيقية للتعافي الاقتصادي، ولكن تحقيق ذلك يستلزم الابتعاد عن الرهان على قدراتنا الذاتية وحدها، والتخلي عن الأنا الليبية الموروثة التي تمنعنا من اللجوء إلى الخبرات الدولية، فتنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة يحتاج إلى دعم فني متخصّص يمكن الاستفادة منه عبر التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية المتخصصة ، الأمر الذي يُعزّز الاستدامة الاقتصادية ويقلّل الاعتماد المفرط على عائدات النفط، ورغم أن ملفات التعافي الاقتصادي متاحة، فإن نجاحها يتطلب عملًا احترافيًّا مهنيًّا مستمرًّا، وهو ما يفتقر إليه الجهاز الإداري الليبي نتيجة تراكمات عقود من الأزمات والقصور.

إن المشورة الفنية التي تقدمها هذه المؤسسات والاستفادة من خبراءها وبرامجها هي فرصة لم تضيعها دول تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها، ولم يرتبط التعاون بالاستدانة بل بالمشورة وتعزيز الاستقرار المالي.

“الشحومي” يكتب: صندوق دعم الشركات الناشئة في ليبيا: خطوة أولى إيجابية وتحديات النجاح

كتب خبير استثماري ومدير صندوق رأسمال جريء في المملكة المتحدة “منذر الشحومي” صندوق دعم الشركات الناشئة في ليبيا: خطوة أولى إيجابية وتحديات النجاح

في مطلع هذا العام، أعلنت الحكومة الليبية عن إنشاء صندوق لدعم الشركات الناشئة ضمن مبادرة “1000 رائد لـ1000 مشروع”، في خطوةٍ تُعدّ مهمة لتعزيز ريادة الأعمال والابتكار في البلاد، وفي إشارة أخرى إلى جدّية الدعم الرسمي لهذا القطاع، أصدر رئيس مجلس الوزراء القرارين رقم (121) و(122) لسنة 2025، ليعيد بذلك هيكلة “صندوق دعم الشركات الناشئة” تحت اسم جديد هو “صندوق دعم وضمان تمويل الشركات الناشئة للمبدعين والمبتكرين”. وقد نصّت هذه القرارات على تمتّع الصندوق بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة مع تبعيّته المباشرة لمجلس الوزراء.

يقدّم هذا المقال نظرة على الخطوات الأولى التي اتخذتها ليبيا لدعم ريادة الأعمال والابتكار من خلال تأسيس صندوقٍ خاصٍّ بالشركات الناشئة، مسلّطًا الضوء على التحديات المرتبطة بضمان حوكمة فعّالة وتخصيصٍ رشيدٍ للموارد. ولعل المفارقة تكمن في أنّي أدوّن هذه الكلمات أثناء متابعتي لإعلان المستشار البريطاني في بيانه الربيعي عن حزمة جديدة لدعم الاقتصاد الابتكاري والشركات الناشئة في المملكة المتحدة، بعد يومٍ واحد فقط من الإعلان الليبي ذاته، ما يؤكد أن قضية دعم الابتكار تجاوزت حدود القطريْن لتغدو شأنًا عالميًا. يتناول المقال أهمية الحوكمة القوية لتجنّب سوء التخصيص وتدخل البيروقراطيين في القرارات الاستثمارية، ويدرس دورة حياة الشركات الناشئة من مرحلة الفكرة الأولية  إلى مرحلة الطرح العام الأولي، كما يميز ما بين الاستثمار الجريء المبني على المعايير السوقية والمنح الحكومية التي قد تؤدي أحيانًا إلى اعتمادية غير صحية، مشددًا على ضرورة تنويع أدوات التمويل على غرار تجارب الشركة السعودية للاستثمار الجريء وبنك الأعمال البريطاني، مع تقييد حصة الحكومة في صناديق رأس المال الجريء عند 25% لتفادي ضغوط التدخل البيروقراطي. كذلك يشير المقال إلى أهمية تفعيل القوانين القائمة بدل إصدار تشريعات جديدة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتحديث منظومتي التعليم والجامعات لتخريج رأس مال بشري مؤهل، إضافةً إلى تطوير البنية التحتية الرقمية من خلال تعزيز الشبكات وأنظمة الدفع الإلكتروني وخدمات الحكومة الرقمية، ويبيّن أيضًا ضرورة صون بيئة تنافسية عادلة، تتضمن حماية الملكية الفكرية ونبذ الفساد والاحتكار، وتقبّل الفشل بوصفه خطوةً في مسار النجاح. ويخلص أخيرًا إلى ضرورة توطين الخبرة محليًا عبر بناء القدرات في مجال الاستثمار الجريء واستقطاب صناديق رأس مال دولية، واستلهام الدروس من دول كإستونيا ورواندا وكولومبيا وأوكرانيا التي استطاعت على اختلاف سياقاتها بناء بيئات ريادية ناضجة. وفي المحصلة، يخلص المقال إلى أنّ إنشاء الصندوق الليبي لا يعدو كونه بداية مشجّعة، إذ تلوح ضرورة إستراتيجية وطنية شاملة للإصلاح التشريعي، وتطوير رأس المال البشري، وتحديث البنية التحتية، وإيجاد حوكمة عالية في إدارة المبادرات، خصوصًا في ظل الوعي العالمي المتنامي بأهمية قطاع الشركات الناشئة والاقتصاد الابتكاري كمحركٍ للنمو والتوظيف.

حوكمة قوية لتفادي مشكلة الوكالة وسوء التخصيص

أول ما يتعين على القائمين على الصندوق ضمانه هو وجود إطار حوكمة قوي وشفّاف لإدارة عملياته، فالتمويل الحكومي عرضة بطبيعته لما يسمى “مشكلة الوكالة” – أي احتمال اختلاف حوافز المديرين والمسؤولين عن الصندوق عن المصلحة الفضلى لأصحاب المصلحة (رواد الأعمال والمجتمع)، بدون حوكمة فعالة، قد يشهد الصندوق سوء تخصيص للموارد فتُموَّل مشاريع غير مجدية أو تُختار شركات ناشئة بناءً على الولاءات والعلاقات بدلًا من الجدارة والكفاءة. ويُلاحظ في تجارب عديدة أن غياب الضوابط والشفافية يقود إلى هدر الأموال العامة دون تحقيق الأثر التنموي المرجو.

لتجنب هذه المعضلة، يجب تصميم هيكل إدارة للصندوق يتمتع باستقلالية نسبية وخبرة متخصصة، قد يكون من المفيد إشراك خبراء ومستثمرين من القطاع الخاص في لجان التقييم واتخاذ القرار، لضمان موضوعية تقييم المشاريع وفق معايير السوق. كذلك ينبغي وضع آليات واضحة للمساءلة وقياس الأداء – مثل تتبع نسب نجاح الشركات المموَّلة ومستويات التوظيف والنمو التي تحققها – وبناء نظام رقابة داخلية وخارجية يمنع تضارب المصالح. الشفافية هنا مفتاح الثقة: إعلان المعايير، وإتاحة المعلومات حول المشاريع المختارة وحجم التمويل، وتوضيح أسباب الاختيار، كلها خطوات تعزّز المصداقية وتطمئن رواد الأعمال بأن الفرص متساوية للجميع بناءً على الجودة والابتكار.

الحوكمة الرشيدة ليست ترفًا إداريًا بل شرط أساسي لنجاح الصندوق؛ فهي ما سيحدد ما إذا كانت أموال الدعم ستذهب إلى الوجهة الصحيحة – أي أصحاب الأفكار المجدية والقابلة للنمو – أم أنها ستُبدَّد دون أثر.

من الفكرة الأولية إلى الطرح العام الأولي: خريطة منظومة الابتكار والشركات الناشئة

يتطلّب فهم ديناميات الابتكار وريادة الأعمال في ليبيا، كما هو الحال في أي اقتصاد طامح للتحديث، الإحاطة بالرحلة التي تسلكها الشركة الناشئة منذ كونها مجرّد فكرة في مرحلة التأسيس الأولي (Pre-Seed) وحتى وصولها إلى الطرح العام الأولي، طوال هذه الرحلة، تتفاعل مجموعة من الجهات والخدمات لتشكّل ما يُعرف بالنظام البيئي للشركات الناشئة. وفيما يلي نظرة تحليلية لأهم مراحل التمويل الرئيسة، والأدوار التي يؤديها اللاعبون المختلفون، والخدمات الداعمة التي تُعزّز فرص النجاح.

فيما يتعلق بالمراحل التمويلية، تبدأ الشركة الناشئة عادةً من مرحلة أولية تُختبر فيها جدوى الفكرة، بتمويل شخصي (Bootstrapping) أو من العائلة والأصدقاء، وقد تستفيد من منح محدودة، تُعرف هذه المرحلة بالـ«Pre-Seed»؛ وهي التي تهيمن عليها الأسئلة الكبرى حول صلاحية الفكرة وإمكانية تنفيذها، بعدها تأتي مرحلة البذرة «Seed»، حينما ينتقل المشروع من الفكرة النظرية إلى النموذج الأوّلي (MVP)، وفيها يدخل المستثمرون الملائكيون (Angel Investors) أو صناديق رأس المال البذري الصغيرة لتوفير التمويل والإرشاد. حينما تبدأ الشركة في تحقيق إيرادات وتحظى بفرص نمو، تدخل مرحلة النمو المبكر «Early Stage – Series A»، التي تتطلب دعمًا أوسع من صناديق رأس المال الجريء (Venture Capital) واتفاقيات الاستثمار المشترك مع جهات حكومية أو شركات خاصة، وفي مرحلة التوسع «Growth Stage – Series B, C,…»، تكون الشركة قد برهنت على جدوى نموذج عملها وتسعى للتوسّع إقليميًا أو عالميًا، ما يستلزم تمويلًا أكبر من مستثمرين مؤسسيين (Institutional Investors) وربما شركات الاستثمار الخاص (Private Equity – PE) التي تميل لدخول المشهد في المراحل المتقدمة، أما الخروج النهائي فيأتي عبر الطرح العام أو الاستحواذ، حيث يُمكن للمستثمرين المبكرين تحقيق العوائد وإتاحة المجال للشركة كي تتخذ شكلًا أكثر نضجًا إما في سوق المال أو تحت مظلة شركة أكبر.

تحتاج هذه المراحل كلها إلى شبكة معقّدة من الأطراف التي تضمن توافر التمويل والخبرة اللازمتين. يأتي في المقدمة رواد الأعمال ، فهم العقل المحرّك وصانعو الرؤية الاستراتيجية للمشروع. يليهم المستثمرون الملائكيون، وهم في الغالب أفراد لديهم خبرة صناعية أو تجارية، يرصدون مبالغ محدودة جدًا في المراحل الأولى مع توجيه وإرشاد شخصي للمؤسسين، أما صناديق رأس المال الجريء فتُمثّل جهات استثمارية تجمع أموالًا من مستثمرين يُعرفون باسم الشركاء المحدودين، سواء كانوا مؤسسات مالية كصناديق التقاعد أو أفرادًا من ذوي الملاءة العالية. يعهد هؤلاء الشركاء المحدودينبإدارة أموالهم إلى الشريك العام في الصندوق، والذي يستثمر في شركات ناشئة واعدة مقابل حصص ملكية. يُسهم رأس المال الجريء في تمويل عمليات النمو والتطوير، كما يضيف قيمة عبر الإرشاد الاستراتيجي والعلاقات الواسعة في السوق. وفي المراحل المتقدمة نسبيًا، تلعب شركات الاستثمار الخاص  دورًا موازيًا، إذ تركز غالبًا على الشركات ذات حجم أكبر ونموذج أعمال أكثر استقرارًا، فتضخ سيولة مهمّة لتسريع توسّع الشركة أو لإعادة هيكلة ملكيّتها قبل الطرح العام أو الاستحواذ.

لا يتوقف المشهد عند هذا الحد، إذ إن حاضنات الأعمال تسهم في تعزيز الأفكار التي ما تزال في أطوارها الأولى من خلال مساحات عمل مشتركة وإرشاد إداري. وتأتي مسرّعات الأعمال  لتلعب دورًا موازيًا لكن أكثر كثافة، حيث تقدّم برامج تدريب وتمويلًا محدودًا لفترة قصيرة، وتنتهي عادة بعرض المشاريع على مستثمرين متخصّصين، وبموازاة ذلك، هناك الشركات الكبرى  التي قد تبرم شراكات استراتيجية أو استثمارية مع الناشئة، وبعضها يُقدم على الاستحواذ كجزء من خططه التوسعية، أما الجهات الحكومية، فتظهر عبر الوزارات والهيئات ذات العلاقة بإصدار القوانين والحوافز التنظيمية والضريبية، كما تقدّم قروضًا ميسّرة أو برامج دعم موجهة. وتتضافر مع هذه الجهات مؤسسات أكاديمية وبحثية تسهم في تمويل البحوث والتطوير وتعزيز الابتكار العلمي، إلى جانب مكاتب الخدمات المهنية (المحاماة والمحاسبة والاستشارات) التي تضمن التزام الشركات بالقواعد القانونية والمالية، وتضعها على سكة حوكمة سليمة منذ البداية.

وتقدّم الخدمات الداعمة للمراحل المختلفة استكمالًا ضروريًا لجهود هؤلاء الفاعلين، فوجود خدمات قانونية ومحاسبية متخصّصة يحدّ من التعقيدات الإدارية على المؤسسين، ويمنح الثقة للمستثمرين عند دراسة أي فرصة استثمارية. وتساعد برامج التدريب والاستشارات الإدارية في تمكين فرق العمل من مهارات القيادة والتسويق وإدارة الموارد. يضاف إلى ذلك البنية التحتية التقنية التي تشكّل قاعدة أساسية في إنجاح مشاريع التكنولوجيا والابتكار. ولا يمكن إغفال دور فعاليات التشبيك والمؤتمرات التي تُسهل التقاء المؤسسين بالخبراء والمستثمرين، ومع إضافة الحوافز والبرامج الحكومية، وبرامج بناء القدرات — كالورش والمعسكرات التدريبية — تتكامل الأدوار وتتراكم العناصر المساعدة لبناء نظام بيئي جاذب يتسع لجميع المراحل من الفكرة وحتى الإدراج في الأسواق المالية.

على ضوء ما تقدّم، يتضح أن تنمية منظومة الابتكار لا تقتصر على توفير أموال استثمارية فحسب، بل تتطلّب إدارة متناسقة لكافة حلقات سلسلة القيمة؛ بدايةً من روّاد الأعمال أصحاب الشغف، مرورًا بالمستثمرين — الملائكيين أو صناديق رأس المال الجريء و شركات الاستثمار الخاص —وانتهاءً بالخدمات الداعمة التي تشمل التشريعات الحكومية وبناء القدرات الأكاديمية والفنية، وحين تعمل هذه الأطراف بانسجام، تصبح رحلة الشركات الناشئة مهيأة لأن تتوّج بالنجاح في الأسواق المحلية والإقليمية، ثم لاحقًا بالوصول إلى أسواق المال أو الاندماج تحت مظلّة شركات عالمية كبرى، لتنعكس تلك الإنجازات على عموم الاقتصاد في صورة فرص عمل جديدة وتنافسية أعلى.

رأس المال الجريء مقابل المنح الحكومية: أيهما يبني منظومة ريادية صحية؟

تتجلى أهمية رأس المال الجريء في بناء منظومة صحية للشركات الناشئة، خصوصًا عند مقارنته بأساليب الدعم التقليدية مثل المنح الحكومية، ففي حين يميل البعض إلى اعتبار أي تمويل حكومي للشركات الناشئة شكلًا من أشكال الاستثمار، إلا أن الاستثمار المبني على معايير السوق يختلف جذريًا عن ضخِّ الأموال كدعم أو إعانات مباشرة.

ما هو رأس المال الجريء؟

رأس المال الجريء هو استثمار ينطوي على مخاطرة عالية، حيث يدخل الصندوق الجريء شريكًا في الشركة الناشئة ويتقاسم معها كلًا من الخطر والمكافأة. هذا النموذج يوفّر حوافز قوية لكلٍّ من المستثمر ورائد الأعمال لتحقيق النجاح المنشود. إذ يحرص المستثمر الجريء على تمويل المشاريع الواعدة التي تظهر فيها مؤشرات نمو وربحية مستقبلية، مقدّمًا – إلى جانب المال – الإرشاد والخبرة والشبكات التي تساعد الشركة على التطور السريع، ومن ناحيته، يدرك رائد الأعمال أنه مطالبٌ بتحقيق نتائج ملموسة ومعدلات نمو مرتفعة للاحتفاظ بتمويل الصندوق، مما يُحفّزه باستمرار على رفع الكفاءة والابتكار.

في المقابل، وعلى الرغم من أنّ المنح الحكومية المباشرة قد تفيد في تمويل المراحل الأولى جدًا من المشروع أو في تشجيع أفكار جديدة، فإن الاعتماد عليها بوصفها المصدر الرئيسي للتمويل قد يولّد اعتمادية غير صحية لدى بعض الشركات الناشئة. فالتمويل المجاني أو شبه المجاني قد يُضعف الدافع نحو النمو المستدام وضبط النفقات. كذلك، تفتقر الجهات الحكومية – مهما حَسنت نواياها – إلى الخبرة الاستثمارية المتخصصة لدى صناديق رأس المال الجريء، لاسيما في ما يتعلق بتقييم المخاطر السوقية وفرص النجاح.

من هنا، يحتاج صندوق دعم الشركات الناشئة الليبي إلى تحقيق توازن بين تقديم المنح أو الجوائز لتحفيز ثقافة ريادة الأعمال من جهة، وتبنّي منهجية الاستثمار الجريء للمشاريع القابلة للنمو من جهة أخرى، فالتمويل المبني على معايير تجارية – كدراسات الجدوى، وخطط العمل المحكَمة، وفُرص السوق – يرسّخ ثقافة المسؤولية والجدارة في المنظومة الريادية. وبهذه الطريقة، يصبح التمويل الحكومي رافعة لجذب مزيد من الاستثمارات الخاصة عوضًا عن أن يحل محلّها؛ فتنمو الشركات الناشئة بالوتيرة المطلوبة، وتتكاتف جهود الحكومة والقطاع الخاص لبناء منظومة ابتكارية أكثر استدامة.

تنويع أدوات التمويل لضمان الاستدامة

من الضروري لضمان تدفّقٍ مستمرٍّ للتمويل في منظومة الشركات الناشئة، ألّا تقتصر الجهود على أداةٍ واحدة بعينها. وفي هذا الإطار، تتّجه العديد من الحكومات إلى دعم صناديق رأس المال الجريء عبر القيام بدور “المستثمر الرئيسي” في هذه الصناديق، عوضًا عن الاستثمار المباشر في الشركات، إنّ التزام الدولة برأس مال أوّلي يمنح ثقة للمستثمرين الآخرين ويحفّزهم على المشاركة، في حين تتجنّب الجهات الرسمية تحمّل عبء الإدارة اليومية لاستثمارات قد تتطلّب خبرات متخصّصة.

على سبيل المثال، تعتمد مؤسسات مثل الشركة السعودية للاستثمار الجريء أو بنك الأعمال البريطاني عبر برنامج صناديق رأس المال المؤسسي آلياتٍ تحفيزية تستقطب مستثمرين آخرين—سواء أفرادًا أو صناديق—للدخول في الشراكة الاستثمارية، وتسمح هذه الآليات لمديري الصندوق بإعادة تخصيص نسبةٍ قد تصل إلى 50% من عائدات الحكومة لصالح بقية المستثمرين، ليصبح بوسعهم تحقيق ربحية أعلى، الأمر الذي يشجّع تدفّق رؤوس أموال إضافية. بموجب هذا النهج، تقبل الجهة الحكومية بعائدٍ أقلّ على استثمارها مقابل رفع ربحية المستثمر الخاص، ما يدعم توسّع دور القطاع الخاص في تمويل الشركات الناشئة.

من منظور مؤسسي، يُوصَى بألّا يتجاوز حجم الاستثمار الرئيسي من قبل الدولة نسبة 25% من إجمالي حجم الصندوق. الغاية هنا ليست التنصّل من مبدأ المحاسبة، وإنما تفادي إدخال صناديق الاستثمار الجريء في تعقيدات بيروقراطية قد تنشأ من تدخل هيئات رقابية حكومية في القرارات اليومية للصندوق، يحفظ هذا التوجّه حقّ الرقابة الاستراتيجية مع ترك الإدارة التشغيلية للشريك العام وفق المعايير والممارسات الدولية؛ فلا يضطر مديرا الصندوق للخضوع لإجراءات طويلة تثبط من سرعة القرارات الاستثمارية ومرونتها.

ولا تقتصر هذه البرامج على المديرين المخضرمين فحسب؛ فقد ظهرت ما يُعرف بــ“برامج تسريع صناديق رأس المال الجريء” التي تهيّئ مديري صناديق صاعدين وتزوّدهم بالدعم والتوجيه اللازمين لإطلاق صناديقٍ جديدة، وبذلك، يتسع نطاق التمويل المحلي المتوفر أمام الشركات الناشئة، وترتقي قدرات منظومة الاستثمار الجريء على المدى البعيد.

بالتوازي مع ذلك، تعمل جهاتٌ عدة على تعزيز ثقافة الاستثمار الملائكي بوصفه جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات التنويع المالي، على سبيل المثال، أطلقت الشركة السعودية للاستثمار الجريء برنامج “الاستثمار المشترك مع المستثمرين الملائكة” لترسيخ الاستثمار الملائكي في السوق المحلية. يمثّل هذا البرنامج مدخلًا مهمًا قبل بروز صناديق رأس المال الجريء الكبيرة؛ حيث يتيح بناء قاعدة متنامية من الاستثمارات المبكرة (عبر الأفراد الملائكيين) يمكن لها أن تتطور لاحقًا وتتلقّى تمويلًا أضخم من صناديق رأسمالية أكبر.

أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أن أدوات التمويل الأخرى—مثل المنح الحكومية والقروض الميسرة والحوافز الضريبية وبرامج الحاضنات والمسرّعات—تلعب أدوارًا مكمّلة في سد احتياجات الشركات الناشئة بمختلف مراحلها. ويمثّل الجمع بين هذه الآليات وتمكين القطاع الخاص في صناديق رأس المال الجريء إستراتيجيةً فعّالة لتجنّب الاعتماد على مصدر واحد للتمويل، فضلًا عن تعزيز استمرارية عمل “صندوق دعم الشركات الناشئة” وما يرتبط به من أنشطة. بذلك، تتشكل بيئة حاضنة مرنة ومتعددة الروافد تتيح للشركات الناشئة الحصول على الدعم المالي والمؤسسي الملائم في كل خطوةٍ من مسيرة نموّها.

تحديث الأطر التشريعية وتسهيل تأسيس الشركات

لا شكّ أن البيئة التشريعية والإجرائية في ليبيا بحاجة ماسّة إلى تفعيل حقيقي لمواد القانون القائم، لا سيّما قانون رقم (23) لسنة 2010، بما يواكب تطلّعات بناء اقتصاد رقمي وريادي. تشير المؤشرات الدولية بوضوح إلى حجم التحدي: فقد جاءت ليبيا ضمن ذيل الترتيب العالمي من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، وفق تقرير البنك الدولي لعام 2020، ما يعكس وجود حواجز بيروقراطية معقدة تعرقل روّاد الأعمال حتى قبل أن يبدأوا، ولئن كان إصدار قوانين جديدة خيارًا مطروحًا في أحيان معينة، فإن التركيز الفعلي ينبغي أن ينصب على تنشيط وتطبيق ما هو قائم بالفعل من أحكام وإجراءات، وتبسيطها قدر المستطاع لتحقيق الأهداف المنشودة.

ضمن هذا الإطار، يُفترض أن يتم تفعيل الخدمات التي أتاحها القانون (23) لسنة 2010، مع إجراء تنقيحاتٍ محدّدة تزيل الغموض أو عدم التطبيق في بعض مواده، ويتعيّن، كذلك، مواءمة هذه الأطر مع متطلبات العصر الرقمي، كي يصبح تأسيس الشركات الناشئة وتسجيلها في أيام (لا أشهر) عبر منظومة إلكترونية. على سبيل المثال، أظهرت إستونيا – بريادتها في البيروقراطية الرقمية – أنّ إنشاء شركة عن بُعد وخلال دقائق أمرٌ ممكن إذا توافرت الإرادة التنظيمية. وبالمثل، يجدر تبسيط إجراءات إغلاق الشركات أو الإفلاس، بما يمنح رائد الأعمال الفاشل فرصةً سريعة للعودة بأفكار جديدة دون تحمّل وصمة طويلة الأمد تعوقه عن الانخراط في السوق.

ولئن كان “قانونٌ خاصٌ بالشركات الناشئة” يظلّ نهجًا معتمدًا في دول عديدة، فإن الواقع الليبي يشير إلى ضرورة تفعيل ما هو متاح أساسًا، وإصدار اللوائح التنفيذية والقرارات المكمّلة لتطبيقه، بحيث يكتسب روّاد الأعمال الحوافز والامتيازات التي يحتاجونها. وهذا يشمل تبسيط اشتراطات التسجيل والترخيص (مثل تخفيض متطلبات رأس المال الأدنى) وحماية حقوق المستثمرين، يمكن، في الوقت ذاته، استحداث “نافذة حكومية واحدة” تتولى تلقّي جميع الطلبات والتصاريح بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية—من دون الحاجة لاستصدار قانون جديد بالكامل، ما دام قانون (23) يسمح بمثل هذه الترتيبات من خلال القرارات الوزارية المناسبة.

من جهة أخرى، لا تزال القوانين التجارية واللوائح التنظيمية في حاجة إلى مراجعة دورية تحذف قيودًا لم تعد تتوافق مع خصائص الاقتصاد الرقمي (مثل إلزام وجود مقر فعلي ثابت أو نصوص بالية تنتمي إلى حقبة ما قبل الإنترنت). والأمر ذاته ينطبق على قوانين الإفلاس وقوانين العمل؛ إذ ينبغي تحديثها لتواكب أساليب التوظيف المرنة وتمنح المبتكرين قدرًا مناسبًا من حرية الحركة. وبالتوازي، يستوجب الابتكار التقني تعزيز حماية الملكية الفكرية وتسهيل تسجيل البراءات، حتى يشعر أصحاب الأفكار بالأمان عند طرح حلولهم في السوق.

إضافةً إلى ذلك، تفرض التطورات الأخيرة في قوانين القطاع المصرفي ضرورة توضيح أدوار ومسؤوليات مصرف ليبيا المركزي وهيئة سوق المال، ولا سيّما فيما يتعلق بتنظيم إنشاء صناديق استثمارية وتسهيل إجراءات تأسيسها. فقد أدخل تحديث قانون المصارف (الصادر في 2012) بعض اللبس في الصلاحيات، مما دفع إلى تشكيل لجنة مشتركة بين المصرف المركزي وهيئة سوق المال. بيد أن هذه اللجنة لم تنعقد منذ سنوات، ما أدّى إلى تأخير وإرباك في آليات اعتماد صناديق الاستثمار، يتعين إذًا تحريك هذا المسار المؤسسي وتفعيل اللجنة المشتركة للحدّ من أي احتكاك بيروقراطي يُعيق تأسيس صناديق جديدة أو يعقّد إجراءاتها، علماً بأن تسريع آليات الترخيص وإصدار الموافقات – وفقًا للمسارات القانونية القائمة – هو خطوة جوهرية في تحسين مناخ الاستثمار.

وبوجه عام، فإن تهيئة مناخ قانوني وإجرائي لا يثقل كاهل رواد الأعمال يُعد شرطًا ضروريًا لنجاح “صندوق دعم الشركات الناشئة”، فمهما توافرت السيولة والأموال، إن بقيت الإجراءات متشابكة أو ظلت الصلاحيات موزعة بشكل غير فعّال بين مختلف الهيئات، فسوف يفقد روّاد الأعمال حافزهم على تأسيس شركاتهم محليًا. وعليه، لا بد من تفعيل النصوص النافذة في القوانين القائمة—وليس فقط التنادي بقوانين جديدة—عبر إصدار لوائح تنفيذية واضحة، وتنسيق أعمق بين الجهات التنظيمية، وتعزيز الشفافية والسرعة في مسار التأسيس والترخيص، فقط بهذه المقاربة الشاملة، يُمكن بناء بيئة قانونية وجاذبة تدفع عجلة الاقتصاد الرقمي وتمكّن ليبيا من مواكبة متطلبات ريادة الأعمال في القرن الحالي.

ربط الجامعات بالمنظومة الريادية وتطوير رأس المال البشري

لا يمكن لأي منظومة شركات ناشئة أن تزدهر ما لم يتوفر لديها رأس مال بشري مؤهل وشغوف بالابتكار. وهنا يبرز دور الجامعات والمؤسسات التعليمية باعتبارها المصدر الأساس للأفكار الريادية والمهارات الفنية والإدارية، وقد برز هذا المعنى بوضوح عندما أشار رئيس الوزراء إلى وجود ممثلين عن 26 جامعة وحاضنة أعمال خلال إطلاق إحدى المبادرات المعنية بريادة الأعمال، مما يُشكّل خطوة مشجعة ينبغي البناء عليها.

في الواقع، تستطيع الجامعات أن تصبح حاضنات طبيعية لثقافة ريادة الأعمال إذا ما تم ربطها فعليًا بالمنظومة الاقتصادية الأوسع، يمكن تحقيق ذلك عبر إدماج مناهج متخصصة في ريادة الأعمال — بل وحتى في التعليم الثانوي — بهدف تدريس الطلاب أساسيات إنشاء المشاريع وإدارة الأعمال والابتكار التقني ضمن مقرراتهم. إلى جانب ذلك، تُعد فكرة إنشاء حاضناتٍ ومراكزٍ للابتكار داخل الجامعات أمرًا بالغ الأهمية، إذ تتيح للطلبة والخريجين أصحاب الأفكار الطموحة الحصول على إرشاد ودعم مالي أو تمويلي أولي (سواءً من خلال منح بحثية أو مسابقات تمويلية)، فضلًا عن مساحات عمل مشتركة يشرف عليها أساتذة وأصحاب خبراتٍ مهنية.

ومن الجوانب التي تستحق الاهتمام أيضًا دعم ثقافة البحث والتطوير، بالتوازي مع ربط الأبحاث الأكاديمية بتطبيقات عملية في السوق، وهنا يمكن تحفيز الأساتذة والباحثين على تحويل نتائج أبحاثهم إلى منتجاتٍ أو شركاتٍ ناشئة، من خلال سياساتٍ واضحة للملكية الفكرية بين الجامعات والمبتكرين، بالإضافة إلى تمويل مشاريع بحثية تطبيقية بالشراكة مع القطاع الصناعي. وفي الإطار ذاته، تبرز ضرورة الانخراط الفعّال للقطاع الخاص والجهات الحكومية في تدريب الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، عبر توفير فرص للتدريب الداخلي في المجالات التقنية والأعمال، وتقديم برامج توجيه وإرشاد، ويمكن لمساهمة روّاد الأعمال الناجحين والمهنيين من الشتات الليبي في تقديم الدورات التدريبية والورش أن تعزز من كفاءة الكوادر المحلية وتجعلها أكثر استعدادًا للتعامل مع تحديات السوق الحقيقية.

إلى جانب دور الجامعات، ينبغي الاستثمار في تطوير مهارات عموم الشباب. فالمهارات الفنية والتقنية — مثل البرمجة والتسويق الرقمي وتصميم المنتجات وإدارة المشاريع — باتت محور الاقتصاد الحديث، في حين قد لا تكون منتشرة بدرجة كافية في القوى العاملة الحالية، لذا، فإن إطلاق برامج تدريبية قصيرة الأجل ومعسكرات مكثفة يربط مخرجاتها بحاجات السوق الناشئة سيساهم في سد فجوة المهارات ويمكّن الشرائح الشابة من استثمار الفرص التي يوفرها قطاع ريادة الأعمال.

إن التعليم والتدريب يمثّلان الوقود الذي يُشغّل ماكينة الابتكار. وفي غياب كفاءات بشرية مدرَّبة وقادرة على اغتنام الفرص، لن يكون لأي تمويل أو حوافز مالية أثرٌ بعيد المدى، من هنا، يصبح بناء رأس مال بشري متين أحد المحاور الأساسية في أي استراتيجية وطنية هادفة إلى دعم الشركات الناشئة وتحفيز نموها.

تحسين البنية التحتية الرقمية والمناطق التقنية

لا يمكن تصوّر نجاح أي مشروع تقني أو منصة إلكترونية في ظل بيئة تفتقر إلى الإنترنت السريع أو أنظمة الدفع الإلكتروني؛ لذا، يتعين على ليبيا منح أولوية موازية لتطوير البنية التحتية الرقمية، توازي تلك الممنوحة لإنشاء صندوق دعم الشركات الناشئة، ويشمل ذلك بالضرورة تحسين جودة الاتصالات وتوسيعها، عبر الاستثمار في شبكات الألياف الضوئية وتعزيز تغطية الهاتف المحمول (الجيل الرابع فما فوق)، بما يفتح المجال لظهور تطبيقات رقمية وخدمات حوسبة سحابية ذات مستوى عالمي. فلا ريب أن ضمان تنافسية قطاع الاتصالات، سواء في الأسعار أو جودة الخدمة، يضفي مزيدًا من المرونة على السوق ويشجّع روّاد الأعمال على ابتكار حلول تقنية جديدة.

إلى جانب البنية المادية، يتعيّن على الجهات التنظيمية كمصرف ليبيا المركزي العمل مع المؤسسات ذات الصلة على توفير بيئة تشريعية متقدمة للتكنولوجيا المالية وأنظمة الدفع الإلكتروني، ويمثّل إنشاء “الحاضنات التنظيمية” (Regulatory Sandboxes) أحد النماذج الفعالة في هذا الصدد، إذ يتيح للشركات الناشئة اختبار حلول مالية مبتكرة دون الخضوع الفوري لسلسلةٍ معقدة من التراخيص والضوابط. وقد أثبتت تجارب سنغافورة وهونغ كونغ والمملكة المتحدة أن هذه المرونة التنظيمية تفتح أبواب الابتكار أمام منصات الدفع الإلكتروني والبنوك الرقمية وسائر الخدمات المالية المعاصرة، وفي المقابل، يستلزم دمج تطوير نظم الدفع الإلكتروني والبنية الرقمية، إطلاق أنظمة دفع وطنية متطورة وآمنة، وتحفيز المصارف على توفير بوابات دفع للشركات الناشئة ودعم انتشار المحافظ الإلكترونية والدفع عبر الهواتف الذكية، ولا شكّ أن ربط هذه الإصلاحات بالدور المرجوّ من صندوق دعم الشركات الناشئة يضفي زخماً إضافيًا على قطاع التكنولوجيا المالية، عبر توفير التمويل والإرشاد للشركات التي تعمل على بناء وتطوير هذه الخدمات.

وإلى جانب هذا الدور التنظيمي، ينبغي للحكومة أن تتحول إلى قدوة في تبني التقنية، من خلال رقمنة خدماتها الحكومية كالسجل التجاري والتصاريح الضريبية والدفع الإلكتروني. فهذا التوجه لا يختصر الوقت والجهد على رواد الأعمال فحسب، بل يخلق سوقًا أولية لخدمات تقنية محلية، وقد ثبت في تجارب دولية – كإستونيا التي أطلقت أكثر من 99% من خدماتها عبر الإنترنت – أن إطلاق حكومة إلكترونية فاعلة يعزز الكفاءة والشفافية، ويمهّد الطريق أمام القطاع الخاص لبناء تطبيقاتٍ متخصصة مُضافة.

فضلًا عن ذلك، يمكن للحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص إنشاء “مدن تقنية” أو “مناطق ابتكار” تحتوي على أحدث الخدمات الرقمية والمرافق اللوجستية تحت سقفٍ واحد، على نحو ما جرى في مدينة الابتكار بكيغالي (رواندا). وبوسع مثل هذه المناطق – ولو انطلقت بحجم محدود – أن تضم مساحات عمل مشتركة وإنترنت عالي السرعة ومختبرات لتطوير النموذج الأوّلي ، بالإضافة إلى إعانات إيجار في مراحل التأسيس للشركات الناشئة، وإلى جانب ذلك، قد توفر مرافق إنتاج مثل معامل التصنيع الرقمي وطابعات ثلاثية الأبعاد والمعدات الإلكترونية، مما يشجع على تبادل المعرفة ويحفز التعاون التنافسي والابتكار الجماعي.

إن تحديث البنية التحتية الرقمية بهذه الصورة لن يُسهّل مهام الشركات الناشئة وحدها، بل سيُعظّم أيضًا فوائد التحول الرقمي على مستوى الاقتصاد بأسره، فكلما توافرت شبكة إنترنت قوية وخدمات دفع إلكترونية موثوقة وخدمات حكومية مميكنة، تعزّزت جاذبية بيئة الأعمال الليبية أمام المستثمرين والشركات الإقليمية، وارتفعت مكانتها على خريطة الاستثمار في المنطقة.

بناء بيئة تنافسية ومشجعة للريادة

لا تكتفي ريادة الأعمال بالتمويل أو البنية التحتية وحدهما، بل تستلزم أيضًا مناخًا ثقافيًا وقانونيًا يحفّز التجربة والإبداع، ويحمي المنافسة العادلة، فحين تكون السوق مفتوحة للأفكار الجديدة، ويتمكن المبادرون من التقدم دون معوقاتٍ مجحفة، يصبح الابتكار قاعدةً أساسية للنمو. ولبلوغ هذه الغاية، يمكن التركيز على مجموعة من المبادئ الجوهرية.

أولها هو حماية الملكية الفكرية. فمن الطبيعي ألا يغامر المبتكر في تطوير اختراعاته ما لم يكن واثقًا بأن قانونه الوطني يحمي حقوقه ويلاحق التعديات قانونيًا وبسرعة. إن تعزيز أطر تسجيل البراءات والعلامات التجارية، والتعامل بحزم مع أي انتهاك، سيعزز ثقة أصحاب الأفكار في أن إبداعاتهم مصونة ومقدرة، فيدفعهم إلى مزيد من التطوير والبحث.

ثانيها يكمن في ثقافة تقبّل الفشل. إذ ما زالت النظرة السائدة في مجتمعاتنا، كما في كثير من دول العالم، تضع الفشل التجاري في خانة الوصم الاجتماعي. يجب أن يتغير هذا المنظور ليُعدّ الإخفاق مجرد خطوة على طريق التعلم. إذ إن كثيرًا من رواد الأعمال العالميين الناجحين مروا بسلسلة من الإخفاقات قبل تحقيق نجاحاتهم، ويمكن للحكومة والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام أن تلعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على قصص نجاح – تتحدث أيضًا عن الفشل الذي سبقها – وذلك جنبًا إلى جنب مع تحديث قوانين الإفلاس لتسمح بالخروج السلس من أي مشروع متعثر دون تبعات معيقة على المدى الطويل.

على صعيد الأسواق، تستلزم محاربة الاحتكار وفتح المجال أمام الوافدين الجدد تحرير القطاعات المختلفة من هيمنة الشركات المهيمنة أو الكيانات ذات النفوذ. فالاحتكار لا يثبط رواد الأعمال فحسب، بل يعيق الابتكار والتطور. لذا، فإن سياساتٍ حكومية واضحة تقضي بمنع الاحتكار والسماح بدخول اللاعبين الجدد إلى الأسواق—وربما إعادة النظر في الامتيازات الحصرية—تشجّع رواد الأعمال على دخول هذه القطاعات بثقة أكبر.

ولا يغيب عنا أن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية هما حجر الزاوية لأي بيئة أعمال صحية. فحين يضطر رائد الأعمال لدفع رشوة أو يواجه منافسين يستفيدون من علاقاتهم بدوائر السلطة، فلن تصمد روح المبادرة طويلًا. عليه، من الضروري تطبيق قوانين مكافحة الفساد بصرامة، وتبنّي حوكمة شفافة في العقود العامة والمشتريات، بما يكفل فرصًا متكافئة للشركات الناشئة والمؤهلة، ويسهم تبسيط الإجراءات وتقليص البيروقراطية في الحد من احتماليات الفساد تلقائيًا، إذ يقلل من الاحتكاكات المباشرة التي قد يستغلها بعض ضعاف النفوس.

ومن شأن توفير هذه البيئة التنافسية العادلة، وخلق ثقافة تسمح بالتجربة – بما في ذلك حق الفشل – أن يطلق العنان للإبداع. فعندما يدرك الشاب الليبي أن فكرته الجديدة ستعامل بإنصاف وأن نجاحه يتحقق عبر العمل الجاد والإبداع، وعندما يطمئن إلى أن النظام القانوني يحمي ملكيته الفكرية ويمنحه فرصة أخرى إن تعثر في البداية، سيتشجع على خوض مغامرة ريادة الأعمال. إن هذه العوامل غير الملموسة من ثقافة وقيم ومؤسسات هي ما يصنع الفرق بين بيئةٍ ترعى الأفكار وتفتح لها الآفاق، وأخرى تخنقها وتسد عليها الطرق.

تأهيل الكوادر المحلية في مجال الاستثمار الجريء

على الرغم من وفرة التمويل والخطوات التشريعية الملائمة، يبقى السؤال الأساسي مطروحًا: من سيتولى إدارة هذه المنظومة؟ إذ إن إنجاح أي منظومة ريادية يستلزم وجود أفراد قادرين على استيعاب تفاصيل الاستثمار في الشركات الناشئة، وتقييم الأفكار واحتضانها ودفعها نحو آفاق أرحب. وفي ليبيا اليوم، حيث يُعد رأس المال الجريء مجالًا جديدًا نسبيًا، تتجلى الحاجة الملحّة لبناء كوادر محلية متمكنة في إدارة الصناديق وتشغيل الحاضنات والمسرّعات.

لتحقيق ذلك، باستطاعة الجهات الرسمية والشركاء إطلاق برامج متخصصة في التدريب والدعم، فمن جهة، تأهيل مديري الصناديق الجريئة يمكن أن يجري عبر دوراتٍ وورش عمل تُعقد بالشراكة مع صناديق إقليمية أو خبراء دوليين لهم باعٌ في هذا الميدان، حيث يتعلم المشاركون أسس تقييم الشركات الناشئة، وآليات هيكلة الصفقات الاستثمارية، وإدارة المحافظ، وصولًا إلى عملية التخارج. كما يمكن إرسال مجموعات من المهنيين الليبيين للتدرب ميدانيًا لدى صناديق استثمار جريء ناجحة في الخارج، لاكتساب خبرة عملية مباشرة، وعلى صعيد موازٍ، يقتضي بناء قدرات مشغلي الحاضنات والمسرّعات فهمًا عميقًا لاحتياجات رواد الأعمال (سواء في الجانب التدريبي أو تطوير النماذج التجارية أو إيجاد المستثمرين)، وهو ما يمكن دعمه عبر برامج إرشاد تشرف عليها شبكات حاضنات إقليمية ودولية. وقد يشمل الأمر دعوة مديرين من مسرعات معروفة لقضاء فترة في ليبيا لتدريب الفرق المحلية، أو ابتعاث فرق ليبية للاطلاع على تجارب مسرعات أعمال خارجية.

من ناحية أخرى، يصعب تصور نموذج مكتمل لرأس المال الجريء دون وجود مجتمعٍ نشطٍ من المستثمرين الأفراد، الذين يمولون المراحل المبكرة جدًا من عمر المشروع. يمكن بناء هذا المجتمع بتنظيم ملتقيات تعريفية وورش عمل تجمع أصحاب الثروات برواد الأعمال، وتعرّفهم بآليات الاستثمار الملائكي وكيفية اقتسام المخاطرة، فكلما زاد فهم المستثمرين المحليين لطبيعة الاستثمار الريادي، اتسعت قاعدة التمويل للمشاريع الواعدة منذ بداياتها.

وفي هذا السياق، تأتي أهمية استقطاب صناديق رأس مال جريء دولية لإنشاء صناديق مخصصة للسوق الليبية. ويمكن لصناديق الدولة السيادية أو صندوق الابتكار أن تشترط تخصيص نسبة لا تقل عن 20% من رأس المال المستثمر من قبل تلك الصناديق داخل السوق المحلي. بمعنى أنه مقابل كل دولار تستثمره الدولة في صندوق دولي، ستُضَخ 1.2 دولار في مشاريع ناشئة ليبية، ما يعزز القيمة الفعلية للأموال المستثمرة، ولا يقتصر الأمر على جلب رأس المال فحسب؛ بل تتفتح أبواب تبادل المعرفة، إذ إن الاحتكاك بخبراء الصناديق الدولية يسهم في صقل مهارات الكوادر المحلية وتطويرها في إدارة الاستثمارات والمشاريع الناشئة.

إضافةً إلى تلك البرامج، يمكن تحفيز عودة الكفاءات الليبية في المهجر ممن لديهم خبرات قيّمة في شركات تقنية أو صناديق عالمية، وتوفير حوافز تشجعهم على الإسهام في بناء قطاع الاستثمار الجريء المحلي، سواء كمديرين للصناديق الجديدة أو مستشارين متخصصين، فالمزج بين المعرفة العالمية وفهم السياق المحلي هو ما يهيئ بيئة مناسبة لنمو واستدامة “صناعة استثمار جريء” قوية في ليبيا.

ولعل في هذا دلالة واضحة على أن المال وحده لا يضمن النجاح؛ بل ينبغي وجود العقول القادرة على توظيفه بما يخدم مصالح الشركات الناشئة ويحقق العائد الاقتصادي المرجو. وعبر بناء قدرات محلية تتمتع بالكفاءة في مجال الاستثمار الجريء والإرشاد الريادي، نضمن أن تدار الصناديق والمبادرات – كصندوق دعم الشركات الناشئة – بمستوى عالٍ من الاحتراف والفهم العميق للسوق وريادة الأعمال، مما يمهد الطريق لبلوغ الأهداف المنشودة على الصعيدين التنموي والابتكاري.

دروس من تجارب دولية

رغم تفرّد كل بلد بظروفه، فإن تجارب بعض الدول قدّمت نماذج ملهمة لبناء منظومات ريادة أعمال مزدهرة، حتى في ظل تحديات جسيمة، فإستونيا، مثلًا، خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي في التسعينيات بموارد محدودة، لكنها راهنت مبكرًا على التحول الرقمي وإنشاء حكومة إلكترونية شاملة، لتصبح اليوم إحدى أكثر دول أوروبا تميزًا في التكنولوجيا الناشئة نسبةً إلى عدد السكان. وقد أدى توفير 99% من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت إلى تمهيد الطريق لظهور شركات عالمية مثل Skype وBolt، ودفع وتيرة استقطاب المستثمرين الدوليين.

أما رواندا، ذلك البلد الأفريقي الذي عانى في التسعينيات من نزاعاتٍ مدمرة، فقد انطلق في مسيرة إصلاحية جعلته واحدة من أفضل بيئات الأعمال في أفريقيا، وبفضل تبسيط الإجراءات ومحاربة الفساد والاستثمار في التعليم والبنية التحتية، احتلت رواندا المرتبة 38 عالميًا في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، لقد أثبتت مشاريع مبتكرة مثل استخدام الطائرات المُسيّرة (الدرونز) في توصيل الإمدادات الطبية أن التنمية والابتكار ليسا حكرًا على الدول الغنية إذا توافرت الإرادة الصادقة والقرارات السليمة.

وفي أمريكا اللاتينية، تفصح تجربة كولومبيا عن كيف يمكن للنمو الاقتصادي الشامل والبرامج الحكومية الداعمة أن يطلقا طاقات رواد الأعمال، فمدينة ميديلين، التي عُرفت يومًا بقلة الأمان، تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركزٍ مزدهر للابتكار والتقنية، حاضنةً للشركات الناشئة ومراكز التكنولوجيا. وتُظهر الإحصاءات الحديثة أن عدد الشركات الناشئة التقنية في كولومبيا ارتفع بنحو 30% عام 2023 ليبلغ 1,720 شركة، مما يعكس مدى فاعلية الإصلاحات والتوجهات الحكومية.

من جهةٍ أخرى، واجهت أوكرانيا ظروفًا بالغة الصعوبة جراء الحرب والنزاعات، لكنها برهنت على قدرتها على الصمود والاستمرار في التميّز في مجال التكنولوجيا، وتعد شركات مثل Grammarly وGitLab أمثلة حية على قوة المهارات الأوكرانية في صناعة البرمجيات. كما ارتفع تصنيف منظومة الشركات الناشئة الأوكرانية إلى المركز 46 عالميًا في 2024 رغم كل العوائق، مبينًا أن الاستثمار في العقول والبنى التقنية يمكن أن يزهر حتى في أوقات الأزمات، ما دام السوق العالمي متاحًا أمام تلك الأفكار.

إن تعدد هذه التجارب يثبت أن لا شيء مستحيل مع وجود رؤية استراتيجية وإرادة سياسية حقيقية لدعم القطاع الريادي. وما يجمعها عمومًا هو تبنّي نهجٍ شاملٍ للإصلاح، بدءًا بالبنية التحتية والتعليم، مرورًا بالتشريعات المحفزة، وصولًا إلى تكريس ثقافة تكافئ المبادرة والعمل الجاد. هذا بالضبط ما تحتاجه ليبيا وهي تشق طريقها نحو بناء منظومة واعدة للشركات الناشئة.

نحو استراتيجية وطنية شاملة للابتكار

في نهاية المطاف، يُعد إنشاء صندوق دعم الشركات الناشئة خطوة طموحة ومرحّبًا بها في سبيل تنويع الاقتصاد الليبي ودعم الابتكار، غير أن هذه الخطوة ستظلّ محدودة الأثر ما لم تُتبع بمنهجية متكاملة تعالج جميع أركان البيئة الريادية المذكورة، إن إعداد استراتيجية وطنية شاملة لريادة الأعمال والابتكار بات ضرورةً لا غنى عنها؛ وهي استراتيجية يجب أن تتولى الحكومة زمامها بقيادة تتسم بروح الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والجامعات، ويُفترض أن ترتكز هذه الخطة على عددٍ من الدعائم الرئيسة:

1. حوكمة رشيدة وشفافية في إدارة المبادرات والصناديق، لضمان التخصيص الكفؤ للموارد.

2. منظومة تمويل متنوعة تجمع بين الدعم الحكومي والاستثمار الخاص المبني على معايير السوق.

3. إصلاحات تشريعية تجعل تأسيس الشركات وتشغيلها عملية سهلة ومحفزة.

4. استثمار في العقول عبر التعليم والتدريب المتخصص لخلق جيل جديد من المبتكرين ورواد الأعمال.

5. بنية تحتية رقمية متطورة تربط ليبيا بالعصر الرقمي وتفتح أمامها آفاق الاقتصاد الجديد.

6. بيئة حاضنة للمنافسة تشجع المبادرة الفردية وتكافئها، وتحمي جهود المجتهدين.

7. قدرات مؤسسية راسخة قادرة على إدارة المنظومة بفعالية ومتابعة تطورها باستمرار.

لا شك أن الاستفادة من الدروس المستقاة من التجارب الدولية وتسخيرها بما يتلاءم مع الواقع المحلي سيساعد على تفادي الأخطاء الشائعة وتسريع وتيرة التعلم. فالاستثمار الحكومي في الابتكار لم يعد رفاهية بقدر ما هو مطلب أساسي لضمان تكوين اقتصادٍ حديثٍ ومتنوّعٍ يستجيب لتطلعات الشباب ويوفر لهم فرص العمل وتحديات الإبداع. ولكن تحقيق هذه الغاية يقتضي قدرًا من التخطيط العلمي وإدارة محكمة لمكونات المنظومة المختلفة، كي لا تضيع الفرص الثمينة التي تلوح في الأفق.

إن ليبيا تجد نفسها الآن أمام مفترق طرق حاسم؛ فإمّا أن تكون هذه الفترة نقطة انطلاق نحو النهضة الاقتصادية المرجوة، أو ضياعًا لفرصة أخرى وسط تحديات عدة، يبقى المسار النهائي مرهونًا بنوعية القرارات والإجراءات التي سيجري اتخاذها اليوم وخلال الأشهر المقبلة؛ ونأمل أن ترتقي هذه الخطوات إلى مستوى تطلعات الشباب الليبي وطموحاته لبناء مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.

يعتمد على القرارات والإجراءات التي سيتم اتخاذها الآن وفي الأشهر القليلة القادمة، نأمل أن تكون قرارات ترتقي لطموحات شباب ليبيا وتطلعاتهم.