“أبوسنينة”: لماذا الإندهاش عندما يصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز ال7 دينار ؟!

1٬959

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” مقالاً

الاقتصاد الليبي مأزوم، ولم يعرف حالة التوازن أو الاستقرار منذ عام 2016، ويعاني تشوهات حتى قبل هذا التاريخ ، لاسيما وأنه دخل سنة 2024 بعجز في ميزان المدفوعات وعجز في الميزانية العامة في ظل وجود حكومتين ، أو ما يعرف بالفجوتين التي تنبئ بموجة تضخمية يشهدها الاقتصاد .

بل أن الاقتصاد يعاني أصلاً تشوهات عديدة حتى قبل هذا التاريخ ومند أزمة الهلال النفطي .

فأزمة السيولة لم تشهد انفراجاً طوال السنوات الماضية ، وهي مستمرة منذ اندلاعها عام 2016 ، وقيمة الدينار الليبي في تدهور مستمر لأن سعر صرفه لم يكن في يوم من الايام سعراً توازنياً ، قابل للاستدامة ، بعد عام 2012 .

وقد عزز هذا الوضع الإجراءات التي اتخذها المجلس الرئاسي أيام حكومة الوفاق ومصرف ليبيا المركزي عندما قام بتعديل سعر صرف الدينار الليبي عند مستوى 4.48 دينار للدولار ، وهو سعر غير توازني وغير عادل ولم يتمكن المصرف المركزي من الدفاع عنه ، في ظل أوضاع النقد الأجنبي ، وفي ظل انفلات الانفاق العام وغياب السياسة المالية المنضبطة وغياب السياسة التجارية المصاحبة والمواكبة للتطورات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الليبي .

حيث إنتهى الأمر بالاقتصاد الليبي إلى عجز في ميزان المدفوعات وحالة من الركود التضخمي .

وقد عزز هذا الوضع المأزوم إجراءات مصرف ليبيا المركزي الأخيرة المتعلقة بإعادة تنظيم آليات توفير النقد الأجنبي لمختلف الأغراض ، عندما أصبح المصرف المركزي مسايراً للاتجاهات الدورية( Pro cyclical ) في إيرادات النقد الأجنبي ، وكان ينبغي أن يكون مناوئًا لها ( counter cyclical ) ؛ بمعني أنه ماكان ينبغي على المصرف المركزي أن يضع قيود ويقلص من المعروض من النقد الأجنبي لمختلف الاغراض أو يعطي إشارات بذلك ، عندما تتدنى إيرادات النقد الأجنبي الموردة له ، حتى في ظل وجود عجز في ميزان المدفوعات ، وفي ذات الوقت لا ينصح المصرف المركزي بالتوسع في عرض النقد الأجنبي فوق حاجة الاقتصاد الوطني ، عندما تزداد إيراداته بالنقد الأجنبي ، طالما كان سعر الصرف غير توازني .

وينطبق نفس القول على الحكومة ممثلة في وزارة المالية ،الحصافة والرشد تستوجب أن يحافظ المصرف المركزي على مستوىً ثابتاً من الصرف بالنقد الأجنبي ، يتوافق مع الاحتياجات الحقيقية ( الطلب ) للاقتصاد الليبي من السلع والخدمات ، التي تحددها وزارة الاقتصاد ، والتي لا تتغير بشكل كبير خلال السنة الواحدة ، وأن تتوقف الحكومة عن بعض أوجه الانفاق غير الضرورية التي تنفد بالنقد الأجنبي، ويتفادى المصرف المركزي التوقفات المفاجئة في عرض النقد الأجنبي مهما كانت الأسباب ، طالما كانت احتياطياته من النقد الأجنبي فوق الحد الأدنى المطلوب لمواجهة الاحتياجات الاستيرادية لمدة سنة كحد أقصى .

وهذا يتطلب التزام الحكومة بانفاق الحد الأدنى الكافي لمواجهة مصروفاتها المحدد أوجهها مسبقاً في بداية كل سنة مالية ، وفقاً لميزانية عامة معتمدة ، والالتزام بقواعد المالية العامة المعروفة .

هذه الإجراءات ينصح بها على المدى القصير ، أمّا على المدى الطويل فلا مناص من إعادة هيكلة الاقتصاد برمته بهدف تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل ، والقيام بإصلاحات هيكلية تستهدف الكثير من القطاعات والمؤسسات العامة .

وما يشهده سعر الصرف في السوق السوداء اليوم كان أمراً متوقعًا ، نبهنا إليه في السابق ، وسوق النقد الأجنبي مهيأً للمزيد من الاضطرابات خلال السنة ، وسيجد المصرف المركزي نفسه مضطرًا لضخ ضعف ما كان يهدف لتوفيره من النقد الأجنبي، بالقيود التي فرضها على استعمالاته ، حتى يتمكن من السيطرة على السعر في السوق الموازية والحد من ارتفاعه لمستويات غير مسبوقة ، وفي كل الأحوال ينبغي الابتعاد عن المساس بسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي لمواجهة تزايد الطلب عليه ، بل ينبغي أن يكون الهدف دائماً هو تثبيت سعر صرف الدينار الليبي عند المستوى التوازني ، واضفاء نوعاً من الاستمرارية على السعر مصحوباً بالتحكم في عرض النقود من خلال مايعرف بالتشديد النقدي ، وأنه على الجهات الأخرى المعنية بالاقتصاد تحديد احتياجات البلاد من السلع والخدمات والعمل على وضع السياسات التجارية الكفيلة بالمحافظة على معدلاتها ، وللمصرف المركزي أن يستفيد من تجربته السابقة في التعامل مع السوق السوداء للنقد الأجنبي والتحكم فيها ، في مطلع الالفية الثالثة من هذا القرن .

وذلك أن أي تخفيض في سعر الصرف الرسمي للدينار بتحريك قيمته التعادلية ، لمواجهة تنامي الطلب على النقد الأجنبي أو تحقيق أي وفر فيه ، في ظل الظروف الحالية ، لن يؤدي إلا لفتح شهية الحكومة للتوسع في الانفاق العام ، ولن يجدي في الحالة الليبية ، في الحد من الطلب على النقد الأجنبي ، ومن تم زيادة الضغوط على سعر صرف الدينار الليبي والاستمرار في الدوران في حلقة جهنمية مفرغة .