“إدريس الشريف”: برغم ادعاء الشفافيه.. الثقوب السوداء تزداد غموضاً واتساعاً !!

355

كتب: الخبير الاقتصادي إدريس الشريف مقالاً

غموض كبير يكتنف رقم ( الإيرادات النفطية )  الوارد بتقرير المصرف المركزي الذي سماه ( بيان نفقات وإيرادات الحكومة خلال الربع الأول من عام 2023م).

في البداية: ︎ليس بجديد ما ورد بالتقرير أن كل الإيراد تقريباً الممول لميزانية الحكومة يتحقق من قطاع النفط .. أما في شكل إيراد مبيعات أو في شكل ضرائب وأتاوات على شركات النفط الأجنبية .. وهذه تمثل في مجموعها قرابة 98% من إجمالي الإيرادات .. بينما لم تتجاوز مساهمة الإيرادات السيادية الأخرى في مجموعها نسبة 2% فقط !!.

ليس بجديد أيضاً أن إيرادات النفط هي المصدر الوحيد ( للعمله الأجنبية ) وبالتالي هي الممول الوحيد لكل واردات البلد الاستهلاكية والوسيطة ( والتي وصلت حتى إلى الخضروات للاستهلاك اليومي ) ..إضافة للأغراض الأخرى .. السياحية والعلاجية والتعليمية.. الخ.. وأيضاً لنفقات وتحويلات الحكومة الخارجية.

تطرقنا لهذه الواقع المؤلم والخطير في منشورات سابقة .. ونبهنا لخطورته على مستقبل البلد وحياة سكانه ..وقارنا أنفسنا بما حققته دول نفطية مماثله .. تمكنت من تنويع اقتصاداتها وخلق مصادر بديلة عن النفط (الناضب)..ناهيك عن استكمال بناها التحتيه ورفع مستوى معيشة سكانها.

لكن الجديد الذي انوي التنبيه له والتركيز عليه في هذا التقرير هو الغموض الشديد حول رقم إيراد مبيعات النفط ..

حيث أشار التقرير أن إيراد المبيعات المتحقق خلال ثلاثة أشهر الأولى من هذا العام هو في حدود (3 مليار دولار ) فقط  !
أو مايعادل (14.3 دينار ليبي ) حسب سعر الصرف الحالي !

هذا الرقم يقل بكثيراً عن الرقم المتوقع تحقيقه من كمية إنتاج لم تنخفص طيلة فترة التقرير وحتى الفترة التي سبقتها عن 1.2 مليون برميل يومياً ومتوسط أسعار لم ينخفض عن 80 دولار للبرميل عن الفترة وكان أعلى في الفترة التي سبقتها.

وحتى لو أخذنا في الاعتبار المبالغ التي حجزتها المؤسسة لغرض استيراد المحروقات ( وهي مخالفة خطيرة نبهنا اليها وطالب ديوان المحاسبة بإيقافها ولكنه غض الطرف عن استمرارها لأسباب غامضة ) .. ولا حتى حصة الشريك الأجنبي ( في بعض الشركات وليس كلها ) فإن انخفاض الإيرادات لايمكن أن يصل لهذا المستوى..بل لن يقل عن 6 مليار في اسوأ الأحوال .

يتضح هذا الأمر جلياً عندما نقارن ذلك بعينة من التقارير التفصيلية السابقة التي كانت تنشرها المؤسسة (والتي توقفت عن نشرها لأسباب غير مفهومة) .. وعند مستويات إنتاج أقل .. وأسعار أدنى من الأسعار الحالية.

فما الذي تغير باستثناء استيراد الوقود عن طريق المؤسسة ؟!

النتيجة الخطيرة التي ترتبت على هذا الأمر هو حدوث عجز يتجاوز 70%في ميزان المدفوعات الخارجي خلال الفترة محل التقرير .. !

حيث ذكر المركزي أن إيراد العمله الأجنبية هو 5.3 مليار دولار ( 3 مليار مبيعات + 2.3 مليار أتاوات ).
بينما كان حجم الاستخدامات 13.2مليار دولار..أي بعجز يقارب 7 مليار دولار في ثلاثة أشهر فقط .. من المؤكد أنه تم تغطية هذا العجز من الاحتياطي وأن لم يذكر المركزي ذلك .. ليزيد الأمر غموضاً.

•( فقره 5من الملاحظات المرفقة بالتقرير )

▪︎حدوث هذا العجز الكبير عند هذا المستوى من إنتاج النفط وأسعاره المرتفعة في ( الربع الأول ) من العام مؤشر خطير عما ستؤول إليه الأمور في نهاية العام (2023 م ) وتحديدا عن الحجم المتوقغ للعجز في ميزان المدفوعات وعن المبلغ الضخم المتوقع سحبه من احتياطي البلد ( المجهول القيمة ) حتى نهاية العام .. خصوصاً إذا ما اتجهت اسعار النفط العالمية نحو الانخفاض .

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير أو يعدل في هذا التوقع المتشائم .. هو احتمال وجود ايرادات تخص الفترة بالطريق أو محتجزة لدى مؤسسة النفط وبحساباتها لدى المصرف الخارجي ولم يتم توريدها في ( الربع الأول ) من العام ويتوقع توريدها في الأشهر المتبقية ..

( لكن التقرير لم يشر إلى هذا الأمر من قريب أو بعيد )

▪︎ الجديد أيضا والغامض في بيان الإيرادات هو ظهور مبلغ ضخم (10.3مليار دينار ) تحت مسمى ( أتاوات عن سنوات سابقة )  !!
وقد ورد مبلغ مماثل السنة السابقة ( 11.4 مليار دينار ) تحت نفس المسمى ..
لم يوضح التقرير عن السنة ( أو السنوات ) التي تخصها هذه المبالغ ؟
ولماذا لم تورد في حينه او في سنة أو تاريخ استحقاقها ؟ وفي ذمة أو حسابات أي الجهات كانت مودعة أو محتجزة ؟

▪︎هذا المبلغ  ( الطاريء )  (10.3 مليار دينار ) هذا العام..
والذي لايتوقع أن يتكرر في بقية اشهر سنة2023م .. هو الذي تسبب في حدوث فائض في ميزانية الحكومة عن (الربع الاول ) من هذا العام ..ولولاه لحققت عجزا يزيد عن2مليار دينار عن هذه الفترة ..
طبعا دون احتساب مصروفات حكومة باشاغا الممولة عن طريق الإقراض .

ختاماً ..ينبغي الإشارة إلى أن تسمية ( نفقات ) لما ورد بالتقرير لتحويلات الحكومة هي تسمية غير دقيقة.. فهذه المبالغ هي مجرد تحويلات من حسابات الخزانه بالمركزي إلى حسابات الجهات الممولة من الخزانة العامة الواردة بالتقرير ..ولن تتحول إلى نفقات أو مصروفات وتتدفق إلى شرايين الاقتصاد إلا بعد قيام هذه الجهات بانفاقها للمستفيدين منها.

كما إن بيان ( النفقات ) لم يتضمن مبالغ دعم المحروقات ( والتي تقدر بالمليارات ) سواء تلك التي احتجزت قيمتها من المنبع وتم استيرادها عن طريق المؤسسة .. أو تلك التي تنتج وتستهلك وتوزع محليا ) ..
وبالتالي فإن رقم ( النفقات) الفعلي هو اكبر وبكثير عما ورد بالتقرير عن نفس الفترة .

ملاحظة أخيرة حول حانب ( النفقات ) بالتقرير..
حيث يتضح أن لم يتم تحويل ( أو انفاق ) أي مبلغ على التنمية باستثناء مبلغ 750 مليون دينار لقطاع النفط  !!

وهو أمر مستغرب !!

حيث أنه لم تمض إلا أشهر معدودة على تحويل مبلغ 34 مليار دينار لمؤسسة النفط ..منها 15مليار دينار في شهر ديسمبر الماضي وحده .. ولنفس الغرض التنمية والتطوير !!

الخلاصة ..
إذا كان المقصود بهذا التقرير هو الحوكمة والشفافيه فقراءته بتأن تثير علامات استفهام كثيرة في ذهن القاريء المتخصص وغير المتخصص وتزيد الامور غموضا حول مصدر دخل الليبيين وشريان حياة اقتصادهم الوحيد.

والله من وراء القصد.