الليبيون بين منصتين: البنك المركزي للعملات وحكومة الدبيبة للحفلات!

1٬448

منذ قدومها سعت حكومة الوحدة الوطنية حسب مسماها ، وحكومة الدبيبة حسب مسمى الليبيين ، إلى اطلاق مشاريع أسمتها عودة الحياة ، ورغم أن هذه المشاريع لم تتم عبر استراتيجية مرسومة محددة المعالم ومتضمنة التكاليف وكذلك توقيتات الإنجاز، إلا أن الثابت أنه ما من مشروع أنجز إلا وكان الدبيبة هو من يقص شريطه بعد أن كان هو من أسنده وقرره، ولم ينشر في كثير من الأحيان تفاصيل مالية تذكر عن تلك المشاريع، حتى إن المواطنون باتوا يتسابقون على معرفة الجهة المنفذة والمتنفذة التي قامت بإنجازه تاركين القيمة المالية وراء ظهورهم لعلمهم جميعاً أن القيمة أضعاف ماتكلفه القيمة الحقيقية ولعلمهم أيضاً أن الشركات المنفذه وراءها من وراءها وتلك قصة أخرى حزينة هي أيضاً.

وعوداً على بدء وبمناسبة ذكرى ثورة فبراير إنتصبت أمام المركزي منصة ليست إخبارية لتنقل للناس مناشط الحكومة، لكنها كانت من الضخامة لتعادل منصات كبار المطربين ، ولا شك أن ماصرف على هذه المنصة مبالغ جد كبيرة كان من الأجدى لو صرفت لتحسين مستوى معيشة من هبطت معيشته وما أكثرهم في هذه الفترة, الجميع طبعاً تساءل لماذا وكيف ولمن وما العائد؟ وماذا لو كان مجال الإنفاق أكثر تركيزاً وترشيداً؟.

يأتي هذا في ظل أزمة مالية تفجرت منذ مطلع السنة الحالية بدأت بشح السيولة وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار بعد توقف حركة الاعتمادات وتوقف منظومة البطاقات وتباين في التصريحات وتوجيه الاتهامات دون أن يلمس المواطن طريقاً أو شعاعاً يخبره بقرب نهاية النفق المظلم.

معركة كسر العظم بين الكبير والدبيبة مشتعلة والأكثر صبراً هو المنتصر فيها من بينهما لكن المؤكد أن المواطن هو الخاسر دوماً في كل الجولات وأن الاقتصاد الوطني ربما قد يكون أصابه السهم مباشرةً هذه المرة خاصةً مع قرب حلول شهر رمضان المعظم والإحتياجات السلعية التي تحتاجها كل العائلات والتي تتطلب وفورات مالية وتغطيات نقدية في وقت صار سقف الألف دينار شهريا هو الغالب تقريباً على كل المصارف.

وفي ذات الوقت تزداد المضاربة بين تجار العملة بعد أن ساهمت تخفيضات قيمة البطاقة إلى سقف 4000 دولار وبعد أن صار إمتلاك المواطن لها مرهونة بعلاقات مصرفية ورشى تدفع لبعض موظفي البنوك في حالات كثيرة مرصودة وغير مرصودة ويزداد سعر الصرف ارتفاعاً ويزداد غموض المشهد ضباباً وما من فجر يلوح في الأفق.

ومع ازدياد بالوعة صرف الميزانيات حتى أصبح المليار رقماً غير ذي أهمية في ظل فساد إستشرى في كل القطاعات ، وفي ظل رشوة ومحسوبية طالت حتى المستويات الإدارية الصغرى بعد أن كانت حكراً على مستويات إدارية عليا فالناس على دين ملوكها كما قيل قديماً وأيضا إذا كان رب البيت للطبل ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.

كما عدد وزير الاقتصاد “محمد الحويج” في تصريح خص به صحيفة صدى الاقتصادية ما عملت عليه حكومة الوحدة الوطنية منذ إستلامها مهامها , حيث قال تم إتخاذ جملة من التدابير منها على سبيل المثل زيادة المرتبات بنسبة مضاعفة.

وحيال تصريحه السابق والذي يتعلق بأن هناك مؤشرات تشير إلى ما نسبته 40‎%‎ من الشعب الليبي عند خط الفقر وفق المعايير الدولية حيث قال أن هذه المؤشرات أشار اليها عدد من الخبراء الاقتصاديين, وكان الهدف من التصريح توضيح المعالجات لآثار الهوة المفاجئة للقوة الشرائية للدينار الليبي نتيجة خفض قيمته ، الأمر الذي يعتبر في الواقع لمجتمع يعتمد حوالي أكثر من 30‎%‎ من سكانه على المرتبات والتي سعت حكومتنا لمعالجته من خلال الزيادة في المرتبات.

إضافةً إلى الاستقرار الأمني والذي كان له دور كبير في انسياب السلع وإستقرار أسعارها ، وكذلك حل كافّة الإشكاليات التي وكانت تواجه المواطن في استقرار الكهرباء.

وتابع؛ كما عملت الحكومة على إلغاء رسوم الجمارك على السلع الغذائية دعماً للمواطن، مع انسياب الوقود إلى كل مدن البلاد, موضحاً أن الاقتصاد الليبي في نمو مستمر وحقيقي ونحن عازمون في وزارة الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية على تدابير اقتصادية تريح حياة المواطن الكريم.

كما أفاد الخبير الاقتصادي “محسن الدريجة” لصدى الاقتصادية بالقول: في الحقيقة ما حصل من تغيير في سعر الصرف للدولار الذي عادل كمية أكبر من الدينار الليبي استخدمتها الحكومة للتوسع في الإنفاق، وهذا التوسع تسبب في ازدياد كمية الدينار الليبي الأمر الذي زاد الطلب على الدولار بدل أن يتحسن سعر الصرف نتيجة لزيادة كمية الدولارات المتاحة للسوق الليبي أي أن زيادة الإنفاق إمتصت كل الدولارات الإضافية وأكثر.

تابع بالقول: خلال عام 2023 النقد الليبي المتداول بين أيدي الجمهور إرتفع الى 43 مليار د.ل، وأيضاً عودة حكومة شرق البلاد أي يوجد جهتين تنفق وزيادة أكثر في الإنفاق، وفي الأصل الإنفاق مبالغ فيه ومرتفع، وكان من المفترض أن السياسات المالية تكون أكثر إنضباط بحيث تعطي فرصة للدينار الليبي بالتعافي.

قال “الدريجة” أيضاً: في المقابل بسبب وجود الكميات الكبيرة من الدينار، نتج عنه إقبال على العملات الاجنبية، ولا يزال انتاج النفط مليون و200 ألف برميل مع زيادة بسيطة، بالمقابل 34 مليار دينار خصصت للمؤسسة الوطنية للنفط لم ترفع انتاج النفط بقدر كاف.

ومع كل ما حصل جعل مصرف ليبيا المركزي في مواجهة طلب متزايد وتهديد انخفاض سعر النفط أو انخفاض في انتاجه، وهذا يسبب ضغط على الاحتياطي من العملات الاجنبية عندما يتجاوز الطلب على العملة دخل مبيعات النفط. الاحتياطي الموجود لدى المركزي جيد، ولكن هذا الاحتياطي يعتمد على استمرار إنتاج النفط وأسعاره.

أكمل حديثه قائلاً: السياسة المالية للحكومات بُنيت على أسعار النفط والتي تقدر ب80 إلى 90 دولار للبرميل، وهذا السعر من الممكن أن يستمر لسنة أو اثنين، ولكن مُعرض للتغير بسبب التقلبات الاقتصادية الدولية والضغط على النفط، فمن الممكن أن ينخفض سعره إلى 60دولار وهذا الانخفاض يتسبب بعجز في سداد بند المرتبات الذي وصل إلى 60مليار د.ل، ودعم الوقود والكهرباء والنفقات التسيرية التي تجاوز ال50 مليار د.ل، أي إجمالي 110 مليار د.ل، والمصرف لا يستطيع الاستمرار في ظل سياسة مالية تعتقد أن السعر الحالي سوف يدوم إلى الأبد.

وبحسب “الدريجة” فإن المركزي يُعلن عن زيادة في الطلب على العملة، وأن 12 مليار دولار تذهب إلى دعم الوقود والكهرباء و 20 مليار دولار في استخدامات الحكومة والتجاري، وكان يوجد عجز في الحصول على الدولار، فالمركزي بدأ في اتخاذ تدابير لحماية الاحتياطي من العملة الصعبة لأنه يخشى استنزاف الاحتياطي.

وحيال ارتفاع سعر الصرف يرى الخبير الاقتصادي “منذر الشحومي” في تصريح لصدى الاقتصادية بأن ما يحدث الوقت الحالي يبدو غير منطقي، خصوصًا بعد بدء البنك المركزي في تطبيق آليات جديدة لتوزيع العملة بشكل مركزي.

مُضيفاً: على الرغم من اعتراضنا التقني على أسلوب البيع المركزي، إلا أنه يبدو ضرورة لا مفر منها في الوقت الراهن، وذلك بهدف مكافحة التلاعب والحد من استنزاف رصيد العملة الصعبة لأغراض غير مبررة.

من جهتها أوصت الخبيرة القانونية “ثريا الطويبي” في تصريح خصت به صدى الاقتصادية بحلول تحتاج لمدى أطول، وتتمثل في خفض الانفاق وذلك من خلال علاج ملف الدعم ووقف التهريب والفساد، وعلاج ملف المرتبات وخفض عدد الموظفين الزوائد، وخفض انفاق الحكومتين ومجلسي النواب والدولة، وتقليص عدد السفارات، ومراجعة ملف الايفاد، والشركات العامة التي تُدعم من الدولة، ومعالجة ملف العلاج بالخارج، مع تنويع مصادر الدخل, مؤكدةً بأن الاستمرار بهذا الوضع في حال انخفاض سعر النفط فلن نستطع تغطية الانفاق، وبهذا إذا استطعنا القيام بما ذكرته فإنه من الممكن تعديل سعر الصرف ورفع قيمة الدينار الليبي، فالمصرف المركزي لا يمكنه الآن تعديل سعر الصرف لأنه لن يتمكن من تغطية الانفاق .

من جهته قال الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة”: ما يشهده سعر الصرف في السوق السوداء كان أمراً متوقعًا ، نبهنا إليه في السابق ، وسوق النقد الأجنبي مهيأً للمزيد من الاضطرابات خلال السنة ، وسيجد المصرف المركزي نفسه مضطرًا لضخ ضعف ما كان يهدف لتوفيره من النقد الأجنبي، بالقيود التي فرضها على استعمالاته ، حتى يتمكن من السيطرة على السعر في السوق الموازية والحد من ارتفاعه لمستويات غير مسبوقة .

وفي كل الأحوال ينبغي الابتعاد عن المساس بسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي لمواجهة تزايد الطلب عليه ، بل ينبغي أن يكون الهدف دائماً هو تثبيت سعر صرف الدينار الليبي عند المستوى التوازني ، واضفاء نوعاً من الاستمرارية على السعر مصحوباً بالتحكم في عرض النقود من خلال مايعرف بالتشديد النقدي ، وأنه على الجهات الأخرى المعنية بالاقتصاد تحديد احتياجات البلاد من السلع والخدمات والعمل على وضع السياسات التجارية الكفيلة بالمحافظة على معدلاتها ، وللمصرف المركزي أن يستفيد من تجربته السابقة في التعامل مع السوق السوداء للنقد الأجنبي والتحكم فيها .

وختاما وحيث أن المواطن البسيط كان ولازال مشروعنا لأنه الأساس وهو من يمثل هذا التراب فإنه حسبما رصدنا وبينما كان المواطن منتظراً لحدث فبراير هذه السنة ممنياً نفسه بإعلان عن تحسينات اقتصادية قد تغير من واقعه الاقتصادي شيئا ما في وقت تتحرك طاحونة ارتفاع الأسعار بوتيرة متسارعة لتقضي على الطبقة المتوسطة وهي الغالبة في هذا المجتمع لتنضم للطبقة التي تتقاذفها حمى الأسعار .

وفي وقت بات المال الفاسد يجهر بسطوته، وفي وقت صار كل شيء يتحرك بعكس اتجاهه، تفاجأنا جميعا بمنصة عملاقة وتجهيزات غير مسبوقة لحدث نعلم علم اليقين أن فاتورته ستستخرج من بين أظافر المواطن لتقع في أيدي الحذاق ومنتهزي الفرص، فهل ستكون الأيام المقبلة أكثر إيلاماً مما سبق ؟ وهل بإمكان من طحنته حمى الأسعار وعراك المضاربين وصراع المتحاربين الصمود طويلاً أمام هذه التيارات؟ وهل سيكون لمنصة طريق الشط دوراً في سد تيارات تعصف بالمواطن من كل جانب؟ أم أنها عقبة أخرى بوجهه تضاف إلى عقبات اقتصادية تسد عليه أبواب العيش الكريم؟