المسلاتي يكتب لصدى مقالاً بعنوان: علاقة المصارف وعملائها “الجزء الأخير”

129

كتب” رجب المسلاتي ” لصحيفة صدى الاقتصادية مقالا بعنوان: علاقة المصارف وعملائها (الحلقة الأخيرة)

إن هذا الأمر سيتم تناوله بتفصيل أكثر في الفصل الثالث من هذا المقال عند الكلام عن شروط الإقراض الجيد، ويكفي الآن التأكيد على أن المعرفة الجيدة بالعميل أكثر أهمية من أي ضمانات قد يعرض تقديمها إذا كان مقترضا، ولنقل إن معرفة العميل المقترض هي رأس المال وأن الضمانات التي يعرض تقديمها هي الاحتياطي الذي يكوّن أصلا لتعزيز رأس المال ودعمه وليس ليحل محله.

فيما تقدم بحثنا علاقة المصارف بعملائها، وعلاقة العملاء بمصارفهم، من الجوانب القانونية والجوانب الإنسانية، وعلينا الآن أن نتكلم عن العلاقة المهنية بين الطرفين، ما هي الخدمات التي يطلبها العميل من مصرفه؟ وما هي الخدمات التي يستطيع المصرف أن يقدمها لعملائه؟ ونعنى هنا خدمات قبول الودائع وخدمات منح القروض، وكذلك الخدمات المصرفية الأخرى المتفرعة عنهما والمنبثقة منهما، ومن المفترض أن يكون المصرف قادرا ومستعدا لتقديم الخدمات المصرفية التي يطلبها جميع المتعاملين معه، أفراد خواص، أو رجال أعمال، أو شركات كبرى وصغرى.

ولأن الخدمات المصرفية التي يطلبها العميل الفرد العادي تختلف عن الخدمات التى يريدها رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، ففي البلدان التي تمتلك نظمًا مصرفية متطورة، جهازها المصرفي قادر ومستعد ومعد لتقديم الخدمات المصرفية التى تتفق مع حاجات الفرد الذي لا يمتلك غير مرتبه أو معاشه التقاعدي أو إيراده من نشاطه المهني أو الحرفي أو عوائد استثماراته الخاصة، ويستطيع في نفس الوقت تقديم الخدمات التى يبحث عنها رجال الأعمال ومؤسساتهم مهما كان حجمها وطبيعة عملها.

ولمّا كانت الخدمات التي يطلبها الفرد العادي تختلف، من حيث نوع الخدمة وشكلها ومداها والغرض منها، عن الخدمات المطلوبة من قبل رجال ومؤسسات الأعمال، ظهرت مصارف شاملة قادرة علي تقديم الخدمات التي يحتاجها الأفراد، والخدمات التي تطلب من قبل رجال ومؤسسات الأعمال، ومصارف متخصصة في خدمة القطاعات الاقتصادية ومؤسساتها فقط، ومصارف تقتصر خدماتها على الأفراد وحدهم، وأدى ظهور مصارف متخصصة في خدمة الأفراد إلي انتشار وحدات مصرفية، فروع لمصارف شاملة، أو لمصارف متخصصة في تقديم الخدمات المصرفية للأفراد، ساعدت في نشر الوعى المصرفي بين كل الناس.

سعت هذه المصارف بموجب ما تقدمه من خدمات مصرفية خاصة للأفراد إلى زيادة عدد المتعاملين معها، وأصبحت تقدم لهم الخدمات المصرفية التقليدية؛ استلام ودائعهم ومنحهم قروضًا شخصية عند اللزوم، وتصدر لهم بطاقات الائتمان لتساعدهم عند التسوق والسحب النقدى من آلات السحب الآلية، وإجراء تحويلاتهم، ومساعدتهم في سداد فواتيرهم وغير ذلك من الخدمات التي يحتاجونها، واستقلّت وتخصصت وحدات مصرفية أخرى بخدمة رجال الأعمال والتجار ومؤسسات المجتمع الاقتصادية.

حبذا لو أن المصارف في ليبيا قامت بتخصيص فروع تتولى تقديم الخدمات المصرفية للأفراد خاصة وأن الأغلبية الساحقة من العاملين في الدولة، الذين مازالوا في الخدمة، والمتقاعدين منهم يحتفظون بحسابات مع المصارف تقيد لها شهريا مرتباتهم ومعاشاتهم التقاعدية، إن عملا كهذا سيحسن من أداء المصارف وتقديم خدمات أفضل لقطاع الأعمال ولاسيّما فيما يتعلق بالخدمات المصرفية الخارجية التى تتطلب تدريبًا خاصاً ومهارات ومؤهلات خاصة ومنها وجوب إتقان اللغة الإنجليزية لغة المال والأعمال.

تعاني مصارفنا من الاكتظاظ وشدة الزحام، مما تسبب في تدنّي خدماتها وتعرضها لانتقادات مريرة من المتعاملين معها، من الأفراد وأصحاب الشركات ومؤسسات الأعمال، وهي انتقادات لها ما يبررها، ويرجع السبب في الاكتظاظ والازدحام إلى صدور قرار في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، يقضي بدفع مرتبات العاملين في الدولة عن طريق المصارف، ولتنفيذ هذا القرار كان على المصارف فتح عشرات الآلاف من الحسابات الجارية لعشرات الآلاف من العاملين في الدولة، قيل حينئذ أن الهدف من إصدار ذلك القرار هو نشر الوعي المصرفي وتشجيع عادات التعامل مع المصارف بين كل شرائح المجتمع، وزيادة موارد المصارف، فقد قيل حينذاك أنه لو احتفظ كل موظف بحسابه المصرفى في كل شهر، بكسور الدينار (الدراهم) من مرتبه، لتجمع لدى المصارف، مع الوقت، ملايين الدنانير.

مع الأسف لم يتحقق هذا الهدف إلاّ فى حدود بالغة التواضع، ولكن التزاحم وحجم العمل الذى نتج عنه كان عبئًا كبيرًا علي الجهاز المصرفي وأدّى إلي إرهاقه وإعاقة تطوره، وتسبب في تدنّي خدماته، والأهم من ذلك أن هذا الإجراء ؛ دفع مرتبات العاملين في الدولة عن طريق حساباتهم المصرفية ثبت واستقر وأصبح قاعدة لا يجوز ولا يمكن ألتخلّص منها أو إعادة النظر فيها بالنظر لما ترتب عنها من عادات وقواعد ومفاهيم، ولا يبدو اليوم من سبيل لمواجهة السلبيات، إذا صح هذا القول، التي ترتبت عن هذا القرار إلا بفصل معاملات الأفراد عن معاملات مؤسسات الأعمال في مصارف مستقلة أو فروع مستقلة، خاصة وأن شروط توطين مصارف التجزئة يختلف عن شروط توطبن المصارف التي تقدم خدماتها للقطاعات الاقتصادية، والواقع أن الحاجة إلى وحدات مصرفية تتخصص في تقديم الخدمات المصرفية للأفراد Private Banking، أصبح أمرًا سيفرض نفسه إن عاجلًا أو آجلًا.

إن حاجة الناس إلى الخدمات المصرفية أصبحت تتزايد يوما بعد يوم، وأصبح الناس يحتاجون للخدمات المصرفية كحاجتهم لخدمات البقال والسوبر ماركت.