دعم المحروقات جرحُ الميزانية الدامي .. وأصوات تنادي باستبداله نقدا .. ومواطن متوجس من التبعات

307

“ليبيا الأرخص عالميا في تكلفة المحروقات”

جملة تختصر كل ما سيحدث بعد ذلك من استنزاف الثروات وتهريبها عبر الحدود المشرعة للعصابات المحلية والمافيات العالمية في ظل عجز الأجهزة الأمنية وقصور الرؤية الاقتصادية، حتى أضحت محرك النزاعات الداخلية والتي في كثير من الأحيان تحركها بعض الأطراف الخارجية المستفيدة من عوائد تلك الغنيمة الباردة.

فالبحيرة النفطية تظل وجهة قريبة لتلك الأطراف لتمويل الاقتصادات النامية والشرهة للذهب الأسود فكيف به إذا كان الأرخص عالميا.

تقرير رقابي يكشف حجم الدعم ونسبة التهريب

كشف ديوان المحاسبة الليبي في تقريره الصادر مؤخرا أن ليبيا قد صرفت خلال السنوات الخمس الماضية ما قيمته 30 مليار دولار كدعم على المحروقات، موضحا أن قيمة الدعم وصلت إلى 3 ألاف دولار سنويا للعائلة الليبية عام 2016 فيما كانت 7 ألاف دولار عام 2014.

وأكد التقرير أن معظم ذلك الدعم لا يصل إلى مستحقيه بل يذهب لجيوب المهربين والأغنياء، مضيفا أن العائد من بيع تلك المحروقات المدعومة لم يتجاوز 670 مليون ما يعادل 13% من القيمة المرصودة للدعم.

وواصل التقرير أن 30% من قيمة الدعم تهرب عبر الحدود البرية والبحرية، كما دعا إلى إعادة تقييم الدعم وفق البطاقات الالكترونية ومعرفة مستحقيه.

مليارات عوائد الجريمة المنظمة من النفط المهرب في عام

كشفت تقارير عالمية عن وصول قيمة ما يباع من النفط المهرب إلى إيطاليا في عام إلى 4 مليارات يورو، معتبرة إياه مصدر رئيس للتمويل.

وأوضحت تلك التقارير أن العمليات تجري عبر السواحل البحرية من خلال مافيات عالمية تمتهن التهريب ومنها إلى مالطا، حيث يتم تفريغ الحمولة بعد ذلك في سفن ترفع العلم اليوناني بعد أن تصدر لها السلطات المالطية شهادات تفيد بأن النفط مستورد بطرق رسمية من المملكة العربية السعودية، ليتم بيعها لاحقا إلى شركات النفط الإيطالية من بينها ماكسكوم بترولي.

وأشارت التقارير أن تلك العمليات تتم عبر شبكة واسعة من المهربين تبدأ من ليبيا وتنتهي في إيطاليا.

حزمة إصلاحات اقتصادية ناقصة وأصوات تنادي باستكمالها

أطلق الرئاسي خطة إصلاحات اقتصادية والتي شملت جوانب تعديل سعر الصرف والاتفاق على صرف علاوات الأبناء بالإضافة مخصصات الأسر السنوية من النقد الأجنبي، ومن بين تلك الجوانب التي تم الإتفاق حولها دراسة قانون لإعادة تسعير المحروقات ومشتقاتها وفق سعر التكلفة واستبداله دعمه نقدا.

إلا أن مشروع ذلك القانون لم يرى النور إلى الأن، ولم تضع الجهات المسؤولة خطة حقيقية لمعالجة ذلك الملف الشائك.

وفي تصريحات لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط “مصطفى صنع الله” اعتبر أن سياسة دعم المحروقات قد أثبتت فشلها، الأمر الذي أدى إلى عجز كثير من مراكز التوزيع على تلبية الطلب في ظل التهريب وتضخم الأسعار لدى المهربين، مضيفا أن ذلك كان الغرض منه مساعدة الطبقات الكادحة غير أن كثير منها لم تستفيد من ذلك وجعل من هذا الملف باب للصراعات والاقتتال في كثير من الأحيان.

وأكد “عبدالسلام نصية” رئيس اللجنة المالية في البرلمان أن الخطة مطروحة منذ زمن غير أن الجهات المسؤولة لم تولي لها اهتمام ، موضحا أن ملف دعم المحروقات كان أمام حكومة زيدان ولكن تجاهلها ذلك الوقت جعل من الأزمة تتفاقم.

ومن جانبه أوضح رجل الأعمال “حسني بي” أن ما طرح من حكومة الوفاق ثلاث قرارات فقط، وبأنهم كانوا في انتظار المزيد من القرارات ضمن الاتفاق المبدئ ومنها استبدال الدعم النقدي حتى تتوقف أزمة الوقود وتهريبه والتي تمول الإرهاب .

ودعا الصحفي “عبدالرزاق الداهش” إلى عدم رفع الدعم الكلي عن المحروقات في ظل ضعف القوة الشرائية للمواطن، محذرا من جعل ذلك كورقة ضغط من قبل أطراف بعينها.


مخاوف الشارع من التبعات

في ظل أزمة مالية خانقة بدأت بوادر انفراجها مؤخرا يظل الشارع يتوجس من مطالبات رفع الدعم عن المحروقات واستبداله نقدا، لا سيما وأن الألية التي سيتبع بها ذلك الإجراء غير واضحة والدعم الذي سيقدم عوضا عن ذلك غير معلوم وطريقة وصوله لمستحقيه غير مفهومة.

فالأزمات المتتالية على المواطن البسيط ابتداء من افتقاره للسيولة ومرورا بالغلاء الفاحش الذي شهدته السلع والمواد الأساسية وانتهاء بارتفاع قيمة النقد الأجنبي جعل منه يتوجس من أي خطوة لاسيما تلك التي تمس أساسيات حياته، معتبرا ذلك سيزيد من نسب التضخم وغلاء الأسعار وتأثيراته ربما تصل إلى ارتفاع أسعار العمالة الأجنبية.