“أبو سنينة” يكتب: حول بيان مصرف ليبيا المركزي عن الإيراد والانفاق

651

كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبو سنينة” مقالاً بعنوان: حول بيان مصرف ليبيا المركزي عن الإيراد والانفاق خلال الفترة من 01/01/ 2023 حتى 30 / 04 / 2023.

بالرغم من أن الافصاح عن بينات الانفاق والايراد بالدينار الليبي وبالنقد الأجنبي مطلوب ، ويسد فراغاً في البيانات المتعلقة بالمالية العامة وإدارة موارد النقد الأجنبي ، في اطار الالتزام بمعايير إعداد التقارير ومتطلبات الشفافية ، إلاّ أن نشر بيانات الانفاق العام ، والإيرادات المحققة ، دون تبيان المستهدف لكل بند من بنود الانفاق والايراد ، خلال الفترة ، يحدُّ من إمكانية تحليل هذه البيانات والاستفادة منها ، وتقييم مدى التزام الحكومة بتحقيق مستهدفاتها ، والمحافظة على المال العام .

وبالرغم من أن ماينشره مصرف ليبيا المركزي يمثل تدفقات نقدية يجب نشرها ضمن القوائم المالية للحكومة في نهاية السنة المالية ، إلا أنها تمثل في الواقع إلتزامات صدرت بشأنها أذونات صرف استلمها المصرف المركزي ، وتم تنفيذها لصالح الحكومة ، ولا توضح أوجه الصرف والمستفيد النهائي من هذه النفقات ، وهوما ينبغي على وزارة المالية الافصاح عنه ونشره .

وبالرغم من كل ما يمكن قوله وملاحظته حول هذه البيانات ، إلا أنه يمكن استنباط بعض المؤشرات ، من خلال تقدير ومقارنة القيم المطلقة لهذه الايرادات والنفقات ، ومن أهمها :

أولاً : إن ما تظهره بيانات الإيرادات التي بلغت 31.9 مليار دينار مقارنة بالمصروفات التي بلغت 24.9 مليار دينار من فائض في الايرادات ، خلال الفترة لا يعبر عن وفر حقيقي حققته الخزانة العامة في المصروفات ، نظراً لوجود إلتزامات أخرى على وزارة المالية واجبة السداد ، لم يتم الوفاء بها ، تتمثل في مرتبات بعض الجهات التي لم يتم الافراج عنها ، لمختلف الأسباب ، وعدم صرف كامل علاوة الأسرة والأطفال المقررة قانوناً من قبل المؤتمر الوطني العام منذ عام 2013 ، وديون صندوق الضمان ، وغيرها من الإلتزامات الأخرى .

ثانيا: تفتقر بيانات الانفاق العام ، وكذلك بيانات الإيراد العام للدلالة طالما لم يقابلها تقديرات للإيرادات والانفاق المتوقعة أو المبرمجة خلال الفترة ، ولكل بند على حدة .

ثالثاً: في غياب موازنة معتمدة للإيرادات المتوقعة والنفقات المتوقعة خلال الفترة ، ولكل بند على حده ، تفقد هذه البيانات أهميتها كأداة للرقابة ، ويفقد مصرف ليبيا المركزي دوره في مراقبة تسييل مختلف بنود الانفاق وفقا للحسابات التي يحتفظ بها لكل بند من بنود الانفاق ، كجهة معنية بتنفيذ الميزانية العامة للدولة ، وفقا لأفضل الممارسات .

رابعاً: طالما أن المؤسسة الوطنية للنفط تقوم بشكل مباشر باستيراد المحروقات ، وعدم تضمين مصروفاتها ضمن إجمالى الانفاق العام ، فهذا يعني أن الانفاق العام الفعلى أكبر بكثير مما تظهره هذه البيانات ، وهذا الأسلوب في توفير المحروقات يشكل تشوها في الانفاق العام ، حيث قد ينقلب الفائض الذي يظهره بيان الايرادات إلى عجز خلال الفترة ، وبهذا تفقد البرمجة المالية التي تعمل وفقا لها الحكومة المصداقية ، وتفقد السياسة المالية دورها ضمن السياسات الاقتصادية والسياسات العامة للدولة .

خامساً: استحوذت الحكومات والجهات التابعة لها على 57% من مصروفات النقد الأجنبي ، بينما لم تستحوذ المصارف التجارية ( القطاع الخاص والأفراد ) ، التي تتعامل مع الجمهور وتوفر النقد الأجنبي لمختلف الأغراض إلاّ على 43% من مصروفات النقد الأجنبي ، خلال الفترة ، وهذا يشكل تشوها آخر في الاقتصاد ، عندما تكون الحكومة ومؤسساتها هي المستهلك الرئيس لإيرادات النقد الأجنبي الذى يتأتى عن تصدير النفط الخام والغاز ، الذي يشكل المورد الوحيد للنقد الأجنبي .

سادساً: إن تحقيق عجز في إيرادات النقد الأجنبي المورد لمصرف ليبيا المركزي ، مقارنة باستخدامات النقد الأجنبي والالتزامات القائمة بالنقد الأجنبي ، وبما مقداره 8.8 مليار دولار ، فذلك يرتب عجزا في ميزان المدفوعات ، و عبئاً على احتياطيات النقد الاجنبي لدى مصرف ليبيا المركزي، وإذا اقتصرنا على الإيرادات النفطية التي تحققت خلال الفترة والتي بلغت 19.1 مليار دينار ، أي باستبعاد الاتاوات التي تم تحصيلها وتخص سنوات سابقة ، والتي تبلغ 10.3 مليار دينار ،فستكون النتيجة عجز في الايرادات العامة مقارنة بالنفقات العامة خلال الفترة ، مما يعني أن الاقتصاد الليبي يعاني ، في الواقع ، من فجوتين ؛ عجز في ميزان المدفوعات وعجز في موازنة الايرادات والنفقات ، بمعنى آخر يعتبر الاقتصاد في حالة أزمة ، وأوضاعه المالية غير قابلة للاستدامة .

سابعاً: طالما استمر ميزان المدفوعات في حالة عجز ، منذ نهاية الربع الرابع من عام 2022 وحتى نهاية الربع الأول من عام 2023 ، سوف تزداد الظغوط على سعر صرف الدينار الليبي ، ولن يتمكن مصرف ليبيا المركزي من المحافظة على إستقرار سعر صرف الدينار ، في ظل تنامي الإنفاق العام ، وطلب الحكومة والجهات التابعة لها على النقد الأجنبي ، الأمر الذي يعني استبعاد امكانية مراجعة سعر صرف الدينار الليبي المعمول به حالياً ، وتنامي الضغوط على الاحتياطيات بالنقد الأجنبي .

ثامناً: تبيّن استخدامات النقد الأجنبي ، تغطية 7.7 مليار دولار إلتزامات سابقة لجهات عامة ، ويشكل هذا المبلغ 51% من إجمالى الانفاق بالنقد الأجنبي خلال الفترة ،وفي إطار الافصاح والشفافية ينبغي تبيان تفاصيل هذه الإلتزامات والجهات المستفيدة ، ولماذا لم تتم برمجتها خلال السنة ، عوضاً عن تحميلها على الفترة موضوع البيان ، تفادياً للعجز الذي تحقق في ميزان المدفوعات .

تاسعاً: يلاحظ قيام الحكومة والمصرف المركزي بسداد الإلتزامات المقومة بالنقد الأجنبي التي ترتبت خلال سنوات سابقة والتي بلغت 7.7 مليار دولار ، وسدادها دفعة واحدة ، وفقا لما تظهره إستخدامات النقد الأجنبي خلال الفترة ، في حين لم تقم الحكومة بسداد الإلتزامات المترتبة عليها بالدينار الليبي خلال سنوات سابقة ، وهو ما ينبغي معه على الحكومة الافصاح وتوضيح سياساتها بهذا الخصوص .

عاشراً: يلاحظ أن استخدامات النقد الأنبي للاغراض الشخصية تشكل 43% من اجمالى النقد الاجنبي المخصص لاستخدامات المصارف التجارية الذي تبلغ قيمته 6.55 مليار دولار ، مما يعني يعني حدوث تسرب كبير في موارد النقد الاجنبي نحو الاغراض الاستهلاكية الشخصية والتي قد تنتهي لتغذية السوق الموازية للنقد الاجنبي .

احدى عشر : بلغت ايرادات النفط بالنقد الأجنبي الموردة لمصرف ليبيا المركزي ، خلال الفترة ، حوالى 4.1 مليار دولار ، في حين وصلت استخدامات النقد الأجنبي لدى المصارف التجارية 6.55 مليار دولار ، خلال الفترة ، مما يعني تحقيق عجز في الميزان التجاري ، تأسيسا على المبدأ النقدي ، وعدم كفاية ايرادات النفط في مواجهة ما يتم فتحه من اعتمادات مستندية لتوريد السلع والمنتجات ومستلزمات الانتاج ، مما يهدد استقرار السوق وامدادات السلع ، في ظل غياب واضح لأي سياسات تجارية في مواجهة هذا الوضع ،ويعزز دور السوق الموازية في توفير النقد الأجنبي للاغراض التجارية ، وتنامي نشاط السوق الموازية كتشوه آخر في الاقتصاد الوطني .