الشحومي يكتب مقالاً بعنوان “الاقتصاد البرقماتي واقتصاد الجموع”

221

كتب: مؤسس سوق المال الليبي “سليمان الشحومي”

وباء كورونا يبدو أنه قد يكون سبباً في الإطاحة بأنظمة اقتصادية كانت تعتمد علي تعظيم الثروة لدى القلة وضمان الحد الأدنى من الدخل لباقي الجموع، تلك الجموع التي أجبرت علي الجلوس بالبيوت خوفاً من الوباء مما أدى إلى تقلص نشاط القلة وانهياره، وصاروا يبحثون عن دعم الحكومة لإنقاذهم و إنقاذ النظام الاقتصادي.

استجابة العديد من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية لهذه الأزمة تعبر عن تأخر الاستجابة الإنسانية والطبية ربما بسبب فقدان قدرة النظام ولم يطور لمثل هذه الاستجابات لعامة الجموع، فالاستجابة الاقتصادية كانت الأسرع والأكثر جاهزية وإقناع اقتصاد القلة عبر إقرار مساعدات للشركات وتحمل مرتبات العاملين لديها والحرص قدر المستطاع على عدم حدوث تغيرات هيكلية في نسبة البطالة وتخفيف الأعباء الأخرى على الشركات كالضرائب والرسوم وغيرها.

فمثلاً الحكومة البريطانية صدمت عامة الشعب البريطاني بسياسة إصابة 60% من الشعب بالمرض أو ما يسمي بإصابة القطيع والحصول على مناعة طبيعية وبينوا للشعب أن هناك فقدان كبير بالأرواح على الشعب أن يستعد له، لقد كان ذلك كارثياً بمعنى الكلمة وأوضح بجلاء فشله كاستراتيجية لمجابهة هذا الوباء والذي أثار غضبا عارما من الشعب وخصوصاً كبار السن الذين وضعوا كقربان على مذبح النظام الصحي الفاشل والذين كانوا هم السبب في قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي اعتبرته الحكومة تنفيذاً لإرادة الجموع، ولكن بعد أيام معدودة عدلت الحكومة اُسلوب المجابهة بشكل كامل عبر استيعاب الدرس الصيني والذي قام على سياسة العزل ورفع القدرة الطبية لمواجهة الحالات والحفاظ على حياتهم بدلاً من التضحية بكبار السن الأكثر احتمالاً لفقدان حياتهم، والذين تعامل معهم نموذج اقتصاد القلة بشكل برقماتي (مصالحي) كونهم بدون جدوي اقتصادية مستقبلية.

منظومة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية تترنح أمام هذا الوباء والذي أعاد رسم خطوط الحدود والبوابات وعجز الاتحاد كمنظومة تجارية ومالية مصرفية على الاستجابة لمتطلبات الرفع من مستوى الخدمات الطبية كما سقطت منظومة التأمين الطبي كوسيلة لتمويل الخدمات الطبية مقابل المنظومة الدولة الراعية والضامنة.

في مقابل نجاح منقطع النظير للمنظومة الصينية في المجابهة فسرعة الاستجابة الإنسانية والطبية كانت أساسية في تحقيق الانتصار على هذا الوباء. حتماً لن يكون الاقتصاد كما كان وربما سيكون للاقتصاد الرقمي والتواصل عن بعد في مجالات التعليم والطب وإدارة الأعمال وغيرها دوراً أكبر وأهمية في المستقبل وربما ستتعدل النماذج الاقتصادية المحلية ويعاد النظر في منظومة القيم الاقتصادية والعلاقات بين القطاع الخاص والقطاع العام والقطاع الوسيط.

سيكون العبء ثقيل جدا على بلداننا النامية وهي تبحث عن السبيل الاقتصادي الذي يرضي شعوبها ويدافع عنهم عند وقوع الكوارث ويرسم مستقبلا مشرقًا لأبنائهم وفقاً لنموذج اقتصادي عادل وشفاف، حتماً لا يرتكز على اقتصاد القلة بل اقتصاد الجموع.