تعدين البتكوين نفع للاقتصاد المحلي؟ أم ضرر وضرار؟

460

البتكوين أو العملة الرقمية هوس رقمي تقني اجتاح العالم مؤخراً، تتساوى في ذلك الدول الغنية والدول الفقيرة، إلا أنها تتفاوت في معدلات التعدين والتي تستلزم استهلاك الطاقة الكهربائية بكم هائل لإنتاج تلك العملة.

وبحسب رأي البعض فإن هشاشة الوضع الليبي السياسي والأمني صار ملجأ خصباً لعمليات التعدين خاصة في ظل عدم سداد مصاريف استهلاك الكهرباء والطاقة عموماً، الأمر الذي فاقم من عجز الشبكة العامة العاجزة أصلاً عن توفير احتياجات البلاد من إنتاج التيار الكهربائي بالطاقة والقوة المطلوبة، مع رؤية البعض الآخر بأنه في حال تحسن وضع الشبكة الكهربائية فسيكون نشاط التعدين عند استقرار الكهرباء مربح خاصةً أنه يحتاج أيضاً لتبريد مستمر ومراقبة.

صدى ومتابعة منها لهذا الموضوع وآثاره المترتبة صالت وجالت وحاورت المهتمين والمتابعين لهذا الشأن وعادت بهذا التقرير:

يقول الخبير الاقتصادي”عمران الشايبي” في تصريح خاص لصحيفة صدى الاقتصادية: مزارع تعدين العملات المشفرة أو كما يطلق عليها Mining Rigs منتشرة في جميع أنحاء العالم وتعتبر استثمار مربح في كثير من دول العالم إلا أن سعر الكهرباء في بعض الدول وخصوصاً المتقدمة يجعل التعدين غير ذي جدوى رغم أن هناك عدة طرق لعمل ذلك (حتى الهواتف الذكية أصبحت تستعمل للتعدين في بعض الأحيان ) .

وتابع بالقول: عموماً هناك عملات تستعمل في طرق حديثة لخفض تكلفة الكهرباء بإستعمال Proof of stake كمثال للتعدين.

وأفاد “الشايبي” بالقول: في ليبيا الكهرباء غير منتظمة والديزل يعتبر غير متوفر وتكلفة التعدين هنا تكون غير ربحية حسب ماهو منتشر، إلا أن بالفعل هناك مزارع للتعدين في ليبيا ولكن لا تستهلك تلك الكهرباء التي تحدث اختلال في الدولة وتسبب انقطاع لكافة المدن بالخمس وثماني ساعات يومياً.

وكشف بأن الموضوع تم تضخيمه بالنسبة لإستهلاك الكهرباء كما قيل من قبل بالأشخاص الذين يستخدمون دفايات كهربائية في الصيف، علماً أنه لا يوجد قانون يمنع التعدين، وإنما تعميم من المصرف المركزي يمنع التعامل بالعملات المشفرة.

من جهته قال الخبير الاقتصادي “خالد الزنتوتي” في تصريح خاص لصحيفة صدى الاقتصادية: أنا من حيث المبدأ لا أحبذ الاستثمار في سوق العملات المشفرة بشكل عام لسبب بسيط وهو لأن هذه العملات غير محكومة بأي قوانين أو ضمانات، إذ أنها وبالرغم من اكتسابها في بعض من الدول شرعية التبادل وذلك من خلال الإعتراف بها كوسيلة للتبادل بين قطاع عريض من المستثمرين ولكن طالما أنها غير محكومة، لا بأطر قانونية ولا مدعومة باقتصاديات رسمية، لذا فهي تعتبر أكبر مخزن لغسيل الأموال والتهرب الضريبي ومركز للأموال غير النظيفة.

وتابع بالقول: مع اعترافي بواقعٍ مفروض بأن العملات المشفرة لها سوق عريض وعلى رأسه البيتكوين والكثير من المستثمرين يعتبرها أداة استثمار مثلها مثل أي عملة أخرى ولها سوق نشط ،ولعل ماحدث لها اخيراً في انخفاض قيمتها أكثر من 50% بعد ارتفاع مفاجئ خلال السنة الماضية عندما وصلت إلى حوالي 65,000 دولار، يعبر عن مدى المخاطر في التعامل بها من ناحية استثمارية ،ولا يمكن وضع نموذج استثماري لها يمكن من خلاله الوصول إلى تحليل فني موثوق وخاصة في حساب معامل الارتباط مع العملات الأخرى وحساب Beta كمقياس للعلاقة بالسوق .

وأفاد قائلاً: ومع إيماني بالتطور الرقمي والذي وصل إلى مناحي التعامل الاقتصادي والحياتي جميعها،فإنني أتمنى أن تكون العملات الرقمية المشفرة مدعومة باقتصاديات كبيرة ومضمونة ومراقبة من جانب البنوك المركزية في تلك الاقتصاديات،فالعملات الرقمية هي القدر والمصير شئنا أم ابينا ويجب علينا نحن في العالم الثالث أم نستعد لهذا التغيير ولكن يجب أن تكون هذه العملات المشفرة مؤطرة وواضحة المعالم، هذه في النهاية وجهة نظر شخصية وهناك الكثير من له وجهة نظر أخرى.

ومن ناحية مزارع التعدين في ليبيا قال: أنا لست متأكد من وجود هذه المزارع بشكل كبير ، ولكنه متوقع وخاصةً وإن ليبيا للأسف أصبحت مركز غسيل أموال في نظر كثير من دول العالم، وبغض النظر عن التفصيلات الفنية التي لا أفهمها كثيراً ، فإن وجود هذه المراكز او المزارع يمثل مخالفة صريحة للقوانين السائدة وهي بالتأكيد تزيد من تفاقم مشكلة الكهرباء في ليبيا سلباً ، حتى لو كان تأثيرها محدود.

وأضاف قائلاً: للأسف سيادة ليبيا الاقتصادية منتهكة من الداخل والخارج وبكل الوسائل ،وإذا ما تمت معالجة مشكلة الكهرباء ، وإذا ما استمرت الحالة الليبية كما هي عليه الان بعيدة عن الرقابة وتطبيق القانون ، فإنه يمكن أن تصبح ليبيا مركز تعديني عالمي غير رسمي للبيتكوين ، أرباحه كثيرة وتكاليفه محدودة، لا يحتاج الا لبعض اجهزة الحاسوب المتطورة ولحساب بعض الخوارزميات الرياضية ولطاقة كهربائية ، ويتم صك البيتكوين وبأرباح عالية جداً.

وأفاد بالقول: إنني اشرت سابقاً أن اليوان الرقمي الصيني سيلتهم كل العملات المشفرة الأخرى وفي وقت محدود ، لأنه وببساطة سيكون مدعوم بأكبر احتياطي وأكبر اقتصاد عالمي ، لذا فإن نصيحتي دوماً للمستثمرين في البيتكوين أن يكون استثمارهم قصير الأجل وعلى مبدأ Hit and run وعلى أساس مضاربة ، وليس استثمار طويل الأجل يمكن الركون إليه في تحقيقه لعوائد رأسمالية كبيرة،وإن حدث ذلك فلا شك أن مخاطره كبيرة أيضاً .

من جهته قال المدير التنفيذي لشركة التميز للإستشارات وآمن المعلومات “صلاح الدين الشتيوي” في تصريح حصري لصحيفة صدى الاقتصادية أن مزارع تعدين البتكوين موجودة بليبيا ولدي زملاء مارسو هذا العمل من منازلهم مدة حتى بدأت مشكلة الكهرباء وعندها توقفو.

وتابع بالقول: عملية التعدين ماهي إلا اجراء عملية تحقق من صحة رمز مشفر وكل ما ارتفعت قيمة العملة الرقمية كل ما كانت القيمة المتحصل عليها كمكافأة لعملية التحقق مجزي ، وأحياناً هناك هجمات يتم من خلالها استغلال أجهزة الأشخاص في القيام بعملية تعدين .

وكشف بأن نشاط التعدين عند استقرار الكهرباء سيكون مربح خاصةً أنه يحتاج أيضاً لتبريد مستمر ومراقبة.

من جهته أجاب المدون التقني “أمين صالح” بالقول: إن ليبيا من أكثر دول العالم استهداف التعدين البتكوين، وذلك لعدة أسباب أهمها هو السعر الرخيص، والذي يكاد يكون معدوماً لإنتاج البتكوين، فسعر الكيلوواط/ساعة في ليبيا يكاد يكون 1-3 سنتات، وفي حالة الشرائح العليا لن يزيد عن 10 سنتات، وفي ظل تردي خدمات الكهرباء في ليبيا، وعدم الترشيد، وعدم سداد المديونيات الشهرية، والتجاوزات التي تحدث في شبكة الكهرباء، فإن ليبيا تعد من الناحية المالية دولة ذات جدوى اقتصادية.

وأضاف: ولكن على صعيد آخر فالتعدين في ليبيا لديه الكثير من العوائق، ومن أهمها الانقطاعات الشديدة التي تشهدها الشبكة خلال الفترة الصيفية وفترة ذروة الاستهلاك، والتي تبدأ من مايو حتى أكتوبر، وفي خلال شهري يناير وفبراير أيضا، أي أننا نتحدث عن ثمانية أشهر في العام لا تستقر فيها خدمات الكهرباء، بل إن عمليات طرح الأحمال تصل إلىأعلى مستوياتها خلال شهري أغسطس وسبتمبر.

وتابع بالقول: والإثبات على ذلك هو معدلات القياس نفسها لدى مؤشر جامعة كامبردج، والتي تعطي الأشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من عام 2020 نسبة أقرب إلى 0% من الإنتاج العالمي، ناهيك عن أن أجهزة التعدين تحتاج إلى تكييف لتبريد الحرارة المرتفعة الناتجة عن عمليات المعالجة وحل المعادلات وتمريرها.

وكشف أن التعدين يحتاج إلى إنترنت مستقر، والذي يمكن أن نتغاضى عنه في حالة توفر إنترنت عبر الأقمار الاصطناعية بتكلفة مالية شهرية، وهنا وجب الإشارة أن بيئة ليبيا الأمنية والبيئية والخدمية غير مشجعة،وقد تتسبب بخسارة عالية جداً، ولكي تعدن البتكوين تحتاج إلى مولدات ومصادر لوقود المولدات، وإنترنت فضائي مستقر وثابت،وبطاريات، ومساحة أرض بعيدة عن المناطق السكنية، ومهندسين وفنيي صيانة وتشغيل على مدار الساعة؛ كل هذا يسبب تشويشا على الغاية من استهداف ليبيا لتكون مصدرا للتعدين.

وهذا لا يعني عدم وجود تجارة من هذا النوع، ولكن إن وجدت فستكون قليلة جداً، وستعتمد بشكل أساسي على وقود مدعوم ومولدات أعلى إنتاجية من 1 ميجاواط، ومساحات بعيدة خارج الشبكة.

وفيما يخص تأثيرها على الشبكة الوطنية للكهرباء، قال “أمين صالح”: رأيي الشخصي هو أن من يعتمد على الشبكة العامة للكهرباء هم فقط الهواء وأصحاب rig الصغيرة، أي أننا نتحدث عن 10 كروت شاشةGPUs أو استهلاك10kwh بسبب تقادم شبكة الكهرباء، ومحولات 11kv/400 لا قدرة لها على توزيع كهرباء لمزرعة تعدين تستهلك ربع ميجا وات وأكثر.

وكشف أنه وفق التشريعات الحالية وتنويه مصرف ليبيا المركزي في عام 2018 فإن العملات الافتراضية مثل “البتكوين” ونحوها غير قانونية في ليبيا، ولا توجد أي حماية قانونية للمتعاملين بها، هذا يجعل ليبيا بلداً غير مستقطب للمعدنين، لأن مزرعة واحدة للتعدين قد تكلف أكثر من مليون دينار من تجهيزات ومعدات واستيراد إلخ، واستنادُ الأجهزة الأمنية على هذا التنويه يجعل أي مستثمر في مجال التعدين يقصد دولاً أخرى تتوفر فيها الشروط المناسبة.

ختاماً، في ظل الثورة التكنولوجية وفي ظل تزايد الطلب على مخرجات الذكاء الاصطناعي عموماً ، وفي خضم تنافس اقتصادي عالمي محموم بين المارد الأصفر (الصين) والدول الأخرى عمومًا ، هذا التنافس الذي يبدو أنه قائم للاستئثار بالهيمنة الاقتصادية على الاقتصاد العالمي عموماً، الآمر الذي يدعو للمضاربة في كل شيء قابل لذلك، وما عملة البتكوين إلا دليل على ذلك باتجاه تكوين عملة غير مرتبطة بالدولار الأمريكي وإنما باقتصاد آخر متسارع مدعوم باحتياطيات قوية لدولة عظمى فرضت نفسها كأهم قوة منافسة للاقتصاد الأمريكي.

غير أن المحاذير وراء ذلك لازالت قوية وكبيرة فلا البتكوين نجح في أن يكون استثمارًا طويل الآجل ولا المضاربين سارعو بالولوج لهذا العالم متناسين درجة المخاطرة إنما كانت العمليات التجارية تكاد تكون كر وفر انتهاز فرصة ما مع التفكير الطويل بالعواقب.

يظل التساؤل هنا هل ستصبح ليبيا المركز الأول في تعدين هذه العملة؟ ولماذا يتناسى الليبيون المشاكل الكبيرة جراء عمليات التعدين وأهمها ضرب الشبكة الكهربائية في مقتل؟ وهل أصبحت النظرية المكيافيلية هي السائدة ؟ وهل فعلاً الغاية وجنى بعض الأرباح تبرر بأي وسيلة كانت ذلك؟